القديسون أقمار الكنيسة الثلاث
ديسمبر 29, 2023مثل الابن الضال
ديسمبر 29, 2023 كون أن كلمة الله قد لبس آدم العتيق وصار إنساناً، وكونه قد تمم كل ما أوصى به ناموس موسى ذهب إلى يوحنا كي يعتمد منه ليس لأنه كان بحاجة للمعمودية وإنما لكي يغسل الطبيعة البشرية من عار خطيئة آدم، وكي يستُر عريها الذي حصل لها بعد السقوط، ويلبسها الحلة الأولى التي كانت تشع باللمعان الإلهي.
كان يوحنا يعظ بمعموديه التوبة وكانت كل اليهودية تقبل إليه، أما الرب فكان يعظهم بمعمودية التبني، ومن من الناس لا يطيعه؟
كانت معمودية يوحنا عبارة عن مقدمة لمعمودية المسيح والتي تُعتبر المعمودية الأكمل، لقد كانت المعمودية الأولى تتم لغايات الابتعاد عن الخطيئة، أما معمودية المسيح فهي للعيش وللحياة مع الله.
من خلال معمودية المسيح على يد يوحنا المعمدان ختم الرب معموديه يوحنا وانهاها، تماماً مثلما أكل ولآخر مرة الفصح اليهودي مع تلاميذه حيث أنهى الفصح اليهودي واختتمه ومن ثم افتتح فصح العهد الجديد وبدأه.
بالمعمودية ظهر لنا الإبن بأنه الله، وهناك تم الإعلان عن الثالوث الأقدس، كما تقول طروبارية الغطاس:”باعتمادك يا رب في نهر الأردن ظهرت السجدة للثالوث…” لأن الآب ظهر من خلال صوته شاهداً للابن الذي يعتمد في النهر وأما الروح القدس فقد ظهر بهيئة حمامة. وهكذا اصبح المسيح بكراً لجميع المولودين روحياً مسمياً إياهم أخوة كونهم اعتمدوا معه بالماء والروح
ما أن اعتمد المسيح حتى قدس طبيعة المياه وغرَّق في مجاري الأردن كل خطايا البشر، إذاً وبهذا الإجراء نجد ان ربنا يسوع المسيح قد جدد وأعاد خلق الإنسان العتيق والملطخ بالخطايا واهباً إياه الملكوت السماوي. هذا هو اتحاد السماء مع الأرض، لقد ظهر أثناء معمودية المسيح وذلك بانفتاح السماء.
إن (الإله الإنسان) الآتي إلى الأردن قد سحق رؤوس التنانين محرراً جنس البشر من سلطتهم عليهم، فالمسيح بمعموديته في نهر الأردن أخرجنا من ظل الناموس وأدخلنا إلى عهد النعمة الجديد.
يتحدث بولس الرسول عن ظهور مجد الله حيث يقول انه بالمسيح ظهرت نعمة الله المخلّصة لكل البشر: (تيطس 3: 4 – 6)” وَلكِنْ حِينَ ظَهَرَ لُطْفُ مُخَلِّصِنَا اللهِ وَإِحْسَانُهُ لاَ بِأَعْمَال فِي بِرّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ خَلَّصَنَا بِغُسْلِ الْمِيلاَدِ الثَّانِي وَتَجْدِيدِ الرُّوحِ الْقُدُسِ، الَّذِي سَكَبَهُ بِغِنًى عَلَيْنَا بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ مُخَلِّصِنَا. حَتَّى إِذَا تَبَرَّرْنَا بِنِعْمَتِهِ، نَصِيرُ وَرَثَةً حَسَبَ رَجَاءِ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ”.
وعوض الظهورات الكاذبة التي للآلهة الكاذبة استطاعت الكنيسة التصدي لها من خلال إعلان ظهور الله الحقيقي والمسيح الملك في معموديته.
يعتبر عيد الظهور الإلهي من أهم الأعياد المسيحية فنعيّد لعيد معمودية ربنا ومخلصنا يسوع المسيح في نهر الأردن، وفي نفس الوقت نعيِّد لظهور الثالوث الأقدس للعالم، ومن ضمن الشهادات المسيحية يعتبر عيد الظهور الإلهي هو أول عيد عيّده المسيحيون بعد عيد الفصح.
هناك مَعانٍ لاهوتية عظيمة لعمّاد المسيح، وكمًا نلاحظ أن رسّام الأيقونات يظهرها بألوان تعطي الطابع اللاهوتي العظيم ولتفسير هذه الأيقونة سنبدأ بالمسيح الواقف بين صخرتين: وهذا يذكرنا بولادة المسيح في مغارة من الصخر، وانه سيذهب إلى القبر المنحوت أيضا في الصخر لكي يخلص العالم.
وهاتين الصخرتين كأنهما مضيق يفصل بين المياه غير المقدَّسة والمياه المقدسة. المياه غير المقدسة تذكرنا بمياه الطوفان الذي يعطي صورة الموت، ومن الجهة الثانية توجد المياه المقدّسة التي تعطي الحياة، وهنا نرى المسيح يدخل المياه لكي يذكرنا بأنه سيدخل القبر المبلل، فإن الجحيم أيضاً يرمز له بهذه الصخور كما وترمز إلى المغارة التي تحوي كل جسد المسيح، وهنا نتذكر نزول المسيح إلى الجحيم كي يحل قيوده ويكسر أبوابه، كما يقول القديس كيرلس الأورشليمي: “نزل المسيح في المياه كي يقيّد القوي أي الشيطان.”
إن نزول المسيح في مياه نهر الأردن يعني تقديس العنصر السائل، أي المياه التي تعتبر عنصر الحياة لكل حي، وبالتالي فإن تقديس المسيح للمياه يعني تقديس الخليقة كلها والتي كانت تئن وتتمخض بسبب خطيئة الإنسان “فَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الْخَلِيقَةِ تَئِنُّ وَتَتَمَخَّضُ مَعًا إِلَى الآنَ.” (رو 8: 22).
نلاحظ أن المسيح يقف عرياناً في وسط مياه الأردن ممنطقاً بقطعة قماش بيضاء على وسطه، ونلاحظ أيضا أن جسده مرسوماً وكأنه نحيف وليس سميناً، وذلك لكي يظهر لنا انه أخذ عُري آدم لكي يلبسه ثوب الفردوس.
نراه بيده اليمنى يبارك المياه كي يحضّرها لتكون مياه المعمودية، و التي تقدست بنزوله فيها. لم يكن المسيح بحاجة للغسل أو للتطهير لانه قدوس منذ الأزل، ولكنه اعتمد بمعمودية يوحنا بسبب تواضعه وأيضا احتراماً للإنسان كي يدخله الفردوس.
إن المسيح المعمّد لم يتقدس من الماء بل انه هو الذي قدس المياه بنزوله فيها وبالتالي فإنه قدّس المسكونة بأسرها.
نرى أن رجله اليمنى متقدمة على رجله اليسرى وذلك لكي يظهر إقدامه على الاعتماد ومن ثم الخروج منه لكي يبدأ رسالته. ان شهادة يوحنا المعمدان عن المسيح بأنه حمل الله الرافع خطيئة العالم في يوحنا تظهر بإقدامه من أجل التقديس”أَجَابَهُمْ يُوحَنَّا قِائِلًا: «أَنَا أُعَمِّدُ بِمَاءٍ، وَلكِنْ فِي وَسْطِكُمْ قَائِمٌ الَّذِي لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ.” (يو 1: 26).
في بعض الأيقونات يظهر المسيح في نهر الأردن وهو يدوس صخرة وتوجد تحتها الأفاعي محاولة الإفلات، وهذه تدل على قوة المسيح الذي يمسك في قبضته المسكونة كما يظهر في المزمور”أَنْتَ شَقَقْتَ الْبَحْرَ بِقُوَّتِكَ. كَسَرْتَ رُؤُوسَ التَّنَانِينِ عَلَى الْمِيَاهِ.” (مز 74: 13).
نرى بعض الأسماك تسبح حول جسد المسيح ويظهر في النهر إمرأة ورجل هرِم ممسكًا بيده إبريقاً يسكب منه المياه: وهذا يرمز إلى قول المزمور”الْبَحْرُ رَآهُ فَهَرَبَ. الأُرْدُنُّ رَجَعَ إِلَى خَلْفٍ.” (مز 114: 3).
وفي هذا الموضوع يرى القديس يوحنا الدمشقي رمزا وتعليماً عميقا بسبب نظر نهر الأردن إلى الوراء ويقول:
”ينبع نهر الأردن من مصدرين: نهر دان ونهر بانياس، وباتحاد هذين النهرين يتشكّل نهر الأردن الذي يصب في البحر الميت، وهكذا فإن البشرية الآتية من آدم وحواء واللذين بعد سقوطهما تسببا بأن اتجهت البشرية إلى الموت الروحي والذي يرمز له بالبحر الميت، إلا أن المسيح المخلص بتجسده قد حرّر الطبيعة البشرية من عبودية الموت والفناء، وهذا يجعل نهر الأردن يتجه إلى الوراء أي لا يرغب بالموت.
إن عمّاد المسيح يسمى بعيد الظهور الإلهي وذلك لظهور الثالوث الأقدس أثناء حادثة المعمودية حيث تظهر يد الآب في الأيقونة لتبارك ممتدة من وسط نصف الدائرة والتي ترمز إلى السماء، ومن نصف الدائرة هذه تظهر الأشعة المضيئة والتي تمثل الروح القدس فتنير كل الموضع.
وأثناء هذه اللحظات يشهد الآب للابن مسمياً إياه بالإبن الحبيب، أما المسيح المعتمد في الماء فينير كل الموضع محرراً إياه من سلطة الشيطان، والروح القدس الذي يحل على هيئة حمامة يؤكد شهادة الآب وهو الذي يعطينا الإيمان الوطيد. أنه الروح القدس الذي يرسل المسيح إلى طريق رسالته.
بحسب القديس يوحنا الدمشقي فإن هذا يذكرنا بطوفان نوح وبالحمامة الحاملة لغصن الزيتون والذي يرمز للسلام. وهنا فإن الروح القدس في التكوين والذي كان يرف فوق المياه أي أنه كان يعطي السلام وهو أيضاً يعطي الحياة “وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ، وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ.” (تك 1: 2).
وهكذا أيضا في المعمودية يرف الروح القدس فوق مياه نهر الأردن داعياً إيانا إلى الميلاد الثاني في الخليقة الجديدة.
ونرى أيضا يوحنا المعمدان يحني رأسه تواضعا واحتراما للمسيّا، وموجهاً نظره نحو الروح القدس الحال على الرب بهيئة حمامة، ويده اليمنى تلمس هامة السيد المسيح وأما يده اليسرى فتُظهر شكل التضرُّع للرب يسوع المسيح.
ونلاحظ أن يديه ورجليه نحيفتان جداً وذلك دلالة على النُّسك كونه كان يأكل جراداً وعسلاً برياً وكان لباسه من وبر الإبل “وَيُوحَنَّا هذَا كَانَ لِبَاسُهُ مِنْ وَبَرِ الإِبِلِ، وَعَلَى حَقْوَيْهِ مِنْطَقَةٌ مِنْ جِلْدٍ. وَكَانَ طَعَامُهُ جَرَادًا وَعَسَلًا بَرِّيًّا.” (مت 3: 4).
و توجد شجرة قرب يوحنا المعمدان وفي أسفلها يوجد فأس وذلك إشارة لقول يوحنا المعمدان بأن: “وَالآنَ قَدْ وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ، فَكُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ.” (مت 3: 10) دالاً إلى العدل الإلهي الذي سيقوم به الديان الرب يسوع المسيح حين يفرز الأشرار عن الأبرار.
ثم نرى الملائكة تقدم شرشفاً أبيض اللون بأيد مفتوحة وذلك دلالة على خدمات المسيح للبشر .
ونرى أيضاً الألوان تُظهر الصوت النازل من السماء مع الروح القدس الذي حل بهيئة حمامة، فتُظهر الألوان المتعددة المعاني الروحية السامية لأيقونة العمّاد.