سيد البلاد يزور محافظة الزرقاء
مايو 14, 2024عيدُ الأعياد
مايو 14, 2024إن الحدث العظيم لقيامة ربنا يسوع المسيح يشكِّل شعلة الحياة لضمير كنيستنا المقدسة، ويعطي الحماسة التي تمنح القوة والقدرة لتبقى في مسيرتها بثبات عبر العصور. وهذا ما يؤكده بولس الرسول إذ يقول: “وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا وَبَاطِلٌ أَيْضًا إِيمَانُكُمْ، وَنُوجَدُ نَحْنُ أَيْضًا شُهُودَ زُورٍ للهِ، لأَنَّنَا شَهِدْنَا مِنْ جِهَةِ اللهِ أَنَّهُ أَقَامَ الْمَسِيحَ وَهُوَ لَمْ يُقِمْهُ، إِنْ كَانَ الْمَوْتى لاَ يَقُومُونَ. (1كو 15: 14 – 15).
لو افتقرت الكنيسة إلى حدث القيامة، لكان مصيرها الزوال في نفس الوقت الذي وُلِدَت فيه. لهذا السبب، فإن قيامة ربنا يسوع المسيح من بين الأموات، هي إيمان العالم المسيحي بأكمله في جميع أنحاء العالم، ولا سيما الأرثوذكسيين لدينا. إن عيد القيامة هو “عيد الأعياد وموسم المواسم” لذا فإن جميع المؤمنين يهرولون بأقدام فرِحة للتمتّع بالوليمة الروحيّة الغنيّة، لفادينا القائم من الموت.
لقد أعطى آباء كنيستنا البُعد الحقيقي لحدث قيامة مسيحنا العظيم. ومنهم القديس إيرينيوس أسقف (ليون) الذي رَقَد بالرب عام (199م)، والذي في لاهوته التلخيصي الشهير، يُدرج هذه الحقيقة في الخطّة العامة لخلاص الجنس البشري، إذ بشخص الإله الإنسان الرب يسوع المسيح، تمت إعادة خلق الإنسان الساقط المحتضِر والخليقة بأكملها.
إن تجسد الفادي وقيامته هما الحدثان الرئيسان لعمل الفداء، إذ بتجسد الكلمة يدخل الله التاريخ (الزمن)، وبقيامته يدخل الإنسان إلى الأبدية. التجسد هو البداية المباركة لعمل الخلاص، والقيامة هي النهاية المنتصِرة للعمل الإلهي لفداء وخلاص العالم.
فآدم الأول (الترابي)، جدنا البشري، إذ خالَف وصية الله القدوس، سقط بسبب الأشرار وبرضاه، وصار حاملاً للشّر والخطيئة، وصار محوراً للموت “وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ».” (تك 2: 17).
“هكَذَا مَكْتُوبٌ أَيْضًا: «صَارَ آدَمُ، الإِنْسَانُ الأَوَّلُ، نَفْسًا حَيَّةً، وَآدَمُ الأَخِيرُ رُوحًا مُحْيِيًا».” (1 كو 15: 45). والمسيح (آدم الثاني) تعرَّض هو أيضًا لهجمات الشرير بُغيةَ إشباع الحاجة الطبيعية للطعام لكنّه لم يستسلم، مثل آدم الأول، ولم يقع في فخ الشرير، لأنه بقي أميناً في طاعة الله الآب مرسِله “قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ.” (يو 4: 34).
إن غطرسة الأحمق، آدم التُرابي، قطعت الجنس البشري وفصلته عن الحياة وقادته إلى الموت. على العكس من ذلك، فإن طاعة المسيح، آدم الجديد، “وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ.” (في 2: 8). إن تواضعه وطاعته المتناهية هزمت الموت وأعادت الجنس البشري إلى الحياة.
الموت ليس عنصرًا من عناصر الطبيعة البشرية، بل هو نتاج الخطيئة “لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.” (رو 6: 23). لقد خلق الله الإنسان ليعيش خالداً أبدياً، لكن الخطيئة أَدخلت الموت إلى الطبيعة البشرية كحالة غير طبيعية. إن انتصار المسيح على الموت والجحيم أدّى إلى شفاء الطبيعة البشرية من هذا العنصر الغريب عن طبيعته. إن قيامة الفادي “كانت البدء (لقيامة) الراقدين” إذ حدثت بالفعل “وَلكِنِ الآنَ قَدْ قَامَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ وَصَارَ بَاكُورَةَ الرَّاقِدِينَ.” (1 كو 15: 20).
قيامة الرب حطّمت كل الحواجز التي تمنع الإنسان من دخول الأبدية.
صارت خشبة (شجرة) عدن سببًا لسقوط الإنسان الأول، وبسبب هذا سقط السلف وأصبح فانيا. أمّا خشبة الصليب فقد أصبحت سبباً لخلود الإنسان من جديد. يكتب الأب القديس: “الخطيئة التي انبعثت من الخشبة (شجرة معرفة الخير والشر)، استُبدِلَت بخشبة الطاعة. العود الذي صُلِبَ عليه ابن الإنسان، طائعاً الله، وبذلك أبطلت معرفة الشر التي كانت موجودة، فازدهرت في نفوس البشر معرفة الخير.
ولما كان الشر يكمن في معصية الله، فإن الخير يكمن في طاعة الله. فالمسيح بإطاعته لله حتى الموت، وخاصة بموت الصليب، كفّر عن العِصيان القديم الذي سببته الخشبة الأولى. لقد كان من العدل والضروري بالنسبة له أن يكون العمل الخلاصي مرئياً ومحسوساً. ولذا، فإن الذي أصبح مرئيًا يُصَلبُ على خشبة مرئية، وبالتالي في شكله المرئي كان تأثيره محسوسًا في كل الأشياء المرئية، كي نخلُص نحن البشر الجسدانيين من خلال ما هو مادي، ويخلُص العالم المادِّي بأكمله.
يوضِّح القديس إيرينيوس كيف أن الحدث العظيم لقيامة المخلِّص مرتبط بسر الشكر الإلهي (الإفخارستيا المقدّسة). إن حقيقة حدث القيامة مرتبطة ارتباطاً كيانياً بالتحوّل الحقيقي للخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه، وبالتالي فإن كل من يشترك في جسد الرب القائم والمخلّد، يصبح هو نفسه قائمًا ومخلّدًا في المسيح. وبالتالي فإن جسد الرب، من خلال المناولة، يُصبح للبشر: هو قوة الله التي تعطينا عدم الفساد.
الإيمان بقيامة الرب، بحسب الأب القديس ايرينيوس، هو أمرٌ أساسي كونه الحدث الأهم في العمل الخلاصي الذي قام به الرب يسوع المسيح، فلو أن المسيح لم يولد لما مات، ولو أنه لم يمت لما قام من بين الأموات، وبالتالي لم ينتصر على الموت ولم يُبطِل سلطة الموت، وإن لم يكن قد انتصر على الموت كيف نستطيع أن نقوم إلى الحياة، نحن الذين منذ البدء خاضعون للموت؟ فهؤلاء الذين لا يعترفون بخلاص الإنسان، ولا يؤمنون أن الله يقيمهم من الأموات، هؤلاء سيظلّون قابعين تحت سلطان الموت، كونهم يحتقرون ميلاد ربنا، ولا يؤمنون بأن كلمة الله سُرَّ بأن يتجسّد، وقَبِلَ بهذه الولادة، ليُظهر لنا قيامة الجسد (أي أجسادنا من بعده)، ويسبقنا جميعًا إلى السماء.
فالله الكلمة (الابن، اللوغوس) بتجسده الإلهي صار مثل الإنسان في كل شيء ما عدا الخطيئة، وبالتالي جعلَ هذه الصورة البشرية المجروحة والملوثة بالخطيئة، بقيامته جعلها مؤلَّهة وغير فانية، حتى ظهرت هذه الصورة، المتَّحدة بالله اللوغوس، حقًا تحمِل المثال، مشبِّهًا الإنسان بالمثال، الآب غير المنظور.
إن الطبيعة البشرية الجديدة المخلوقة من جديد في المسيح، هي نفس طبيعة المسيح البشرية المجيدة التي بعد القيامة. “وَأَمَّا مَنِ الْتَصَقَ بِالرَّبِّ فَهُوَ رُوحٌ وَاحِدٌ.” (1 كو 6: 17) يشترك في هذه الطبيعة الإلهية الممجدة. بفضل عمل المسيح الخلاصي، والذي بلغ ذروته في قيامته، يصبح الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله ويصبح أيقونة الله.
إن المسيح القائم من بين الأموات، كما لخَّصه هذا الأب العظيم لاهوتيًا، قد أعاد تجديد الإنسان الساقط والمحتضِر، أعاده في نفسه من خلال آلامه وموته الطوعي وقيامته، وسحق مملكة الشيطان تمامًا بشكل نهائي، وأزال اللّعنة عن الخليقة إلى الأبد، وألغى سلطة “مدمِّر الخليقة”.
إن قيامة مخلِّصنا هي ذروة استعادة وتجديد الإنسان الساقط والخليقة بأكملها. ولهذا تدعونا كنيستنا المقدسة بحق “أن نأتي بالمشاعل إلى نتاج المسيح القائم من القبر كعريس، ولنحتفلنَّ بقيامته، كما يقول كتاب البندكستاري (قانون الفصح، الأودية الخامسة الثاني): “لنتقدمنَّ حاملين المصابيح للمسيح البارز من الرمس، كأننا حاملوها إلى ختن، ولنعيِّدنَّ مع المراتب المحبِّي التعييد لفصح الهنا الخلاصي”.