هل تعاليم الكتاب المقدس مناسبة للوقت المعاصر
مارس 7, 2024سبتُ الرّاقدين
مارس 9, 2024إِنْجِيلُ الْمَسِيحِ هو قُوَّةُ اللهِ لِلْخَلاَصِ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ (رومية 1: 16)
الكتاب المقّدّس هو كتاب الكنيسة الجامعة.
جاء في كتاب “مجموعة الشّرع الكَنَسيّ[1]” في القانون 85 من قوانين الرُّسُل القدّيسين:
“لتكن الكتب الآتية محتَرَمَة ومُقَدَّسَة عندكم جميعًا من إكليريكيّين وعوامّ:
في العهد القديم:
التّكوين، الخروج، اللاويّين، العدد، تثنية الاشتراع، يشوع بن نون، القضاة، راعوث، أسفار الملوك الأربعة[2]، سِفرا أخبار الأيّام، عِزرا، نِحِميَه[3]، أستير، يهوديت، سِفرا المكابيّين[4]، أيّوب، المزامير، الأمثال، الجامعة[5]، نشيد الأناشيد، هْوشَع، يوئيل، عاموس، عوبَدِيَّه، يونان، ميخا، ناحوم، حَبَقوق، صُفُنيَه، حَجّاي، زَخَرِيَّه، ملاخي، إشعيا، إرمِيَه، حزقِيال، دانيال، سيراخ.
في العهد الجديد:
الأناجيل الأربعة لمتّى ومرقس ولوقا ويوحنّا، رسائل بولس الأربع عشرة، رسالتا بطرس، رسائل يوحنّا الثلاث، رسالة يعقوب، رسالة يهوذا وأعمالنا نحن الرُّسّل”.
أمّا القدّيس أثناسيوس الكبير فقد قسم كتب العهد القديم إلى 22 كتابًا على عدد حروف الهجاء العبريّة وجاراه في هذا القول القدّيس غريغوريوس اللاهوتيّ والقدّيس يوحنّا الدِّمشقيّ:
التّكوين، الخروج، اللاويّين، العدد، تثنية الاشتراع، يشوع بن نون، القضاة، راعوث، أسفار الملوك الأربعة[6]، سِفرا أخبار الأيّام، عِزرا، نِحِميَه[7]، المزامير، الأمثال، الجامعة، نشيد الأناشيد، أيّوب، هْوشَع، يوئيل، عاموس، عوبَدِيّه،[8] يونان، ميخا، ناحوم، حَبَقوق، صُفُنيَه[9]، حِجّاي، زكَريَّه[10]، ملاخي، إشَعيَاء[11]، إرمِيَه[12] مع المراثي، باروخ ورسالة، حزقيال[13]، دانيال.
وزاد، أمّا الكتب التي تحسُنُ قراءتها ويجب أن يدرسها الموعوظين[14] فهي:
حكمة سُليمان، حكمة سيراخ، أستير[15]، يهوديت، طوبِيَّا[16].
أمّا كتب العهد الجديد القانونيّة فهي:
الأناجيل الأربعة وأعمال الرُّسّل، الرّسائل الجامعة السّبع أي: رسالة يعقوب ورسالتا بطرس ورسائل يوحنّا الثلاث ورسالة يهوذا، رسائل بولس الأربع عشرة، والرّؤيا”.
أمّا مجمع قرطاجة فيُحصي حكمة سُليمان ويهوديت وطوبِيَّا بين الكتب القانونيّة.
وكما يقول الرّسول بولس:
“كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ والتوبيخ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي البِرِّ” (2 تيموثيوس 3: 16)
والقدّيس بطرس:
“أَنَّ كُلَّ نُبُوَّةِ الْكِتَابِ لَيْسَتْ مِنْ تَفْسِيرٍ خَاصٍّ. لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ (2 بطرس 1: 20- 21).
يُقسَم كلُّ كتاب إلى فصول (أو إصحاحات) وكل فصلٍ إلى آياتٍ مُرَقَّمَة لتسهيل القراءة والحِفظ ثم الاستذكار.
مجموع أسفار الكتاب المقدَّس 73 كتابًا، كما هو اليوم عند الأرثوذكس والكاثوليك مُؤَيَّدًا بمجامعهم.
مجموعُ فصولِ العهد الجديد 260 فيمكننا قراءته في أقلِّ من سنة إن قرأنا فصلاً يوميًّا.
ومجموعُ فصولِ العهد القديم 1068
بعد هذه المقَدِّمَة التّاريخيّة والقانونيّة، علينا اعتماد كلّ تلك الكتب (الأسفار) في طبعات كتابنا المقدَّس لإفادة المؤمنين.
التّرجَمة السَّبعينيّة، ولماذا يعتمدها الأرثوذكس؟
حوالي العام 282 – 285 قبل المسيح برزت حاجة لدى يهود مصر لترجمة العهد القديم إلى اليونانيّة لأنّهم ما عادوا يعرفون لغتهم العبريّة لقلّة استعمالهم لها وبسبب هيمنة الثّقافة الهيلينيّة واللغة اليونانيّة خصوصًا بوجود مكتبة الإسكندريّة. وفي زمن الملك بطليموس الثّاني فيلادلفوس اجتمعَ شيوخ اليهود الكَتَبَة لترجمة التّوراة لليونانيّة. تجنّد للعمل سبعون من شيوخهم، فكان كلّ واحد منهم يترجم السِفرَ على انفراد ثم تُقارَن ترجماتُهم فوُجِدَت متطابِقَة ما يدلّ أن الرّوح القُدس كان يقودهم.
هنا يقول التقليد أنّ سمعان، أحد الشيوخ المترجمين، توقّف طويلاً أمام قول اشعياء “ها إنَّ العذراء تحبل وتلد عِمّانوئيل” ولم يستوعب القول، فأتته رؤيا بأنّه لن يموت قبل معاينة الحدث العظيم، فكان هو من حمل الطّفل يسوع عندما أتى به أبواه إلى الهيكل وقال جملته الشّهيرة “الآن تطلق عبدك أيّها السّيّد…”.
من المهمّ ذِكر أنَّ هؤلاء المترجمين اليهود تعاملوا مع جميع أسفار العهد القديم التي أدرجها قانون الرّسُل في كتابنا المقدّس الذي نستعمله اليوم وأدرجوها به منذ ذلك الحين.
ولزيادة الشّرح وللفهم، نقتبس من مقدّمة ترجمة اليازجيّ[17] لأسفار موسى الخمسة عن السبعينيّة الدّراسة التّالية التي تبيِّن أهمّيّة اعتماد الأرثوذكس عليها دون سواها من التّرجمات:
“أنَّ مفردات السّبعينيّة ونصوصَها هي المصدر الذي اعتمد عليه كُتّاب العهد الجديد لصياغة الرّواية الخلاصيّة والَمسيانيّة. اللغتَين العربيّة والعبرانيّة ليستا لغتَين مختلفتَين إحداهما عن الأخرى بقدر ما هما بالأحرى لهجتان للغة واحدة هي اللغة السّاميّة[18]! من الصّعب جدًّا أن نجد كلمة عبرانيّة أصيلة أو آراميّة أصيلة غير موجودة في المعاجم العربيّة.
إنّ معرفتنا باللغة العربيّة كثيرًا ما تساعدنا في الفهم الصّحيح لبعض الكلمات العبرانيّة التي حيّرت العلماء فلم يعرفوا معناها لأنّ اللغة العبرانيّة القديمة هي لغة مندثرة لم تُفرِد لها قديمًا معاجمَ تحفظ كلماتها، ومع ذلك، في الكثير من هذه الحالات يمكننا الاستعانة بالمعاجم العربيّة القديمة التي حفظت في بطونها معظم الألفاظ السّاميّة والتي بطُلَ استعمالها. وهذا ما يعطي المترجمين من اللغة العربيّة أفضليّه على غيرهم من الباحثين. إنّ شيوخ السّبعينيّة كانوا دائمًا مصيبين في ترجمتهم للكلمات العبرانيّة المندثرة التي حيَّرت العلماء في أيّامنا! فكانوا يفهمون اللغة العبرانيّة بكلّ سهولة ويُسر، لأنّها لغتهم الأمّ التي وُلِدوا فيها.
ومن المفارقات التي جعلت التّرجمة أصعب فهمًا على من يترجم في أيّامنا من العبريّة، ولأيّة لغة، أنّها لغة بائدة كما أنّ بعض الحروف العبرانيّة كانت تُقرأ قديمًا بأكثر من طريقة، فحرف النّون قرئ أحيانًا ميمًا، كما في كلمة (عدن) التي كانت تُقرأ (عدم – تكوين 2: 8)، وكذلك (جِسِنْ) التي كانت تُقرأ (جِسِمْ) كما في تكوين (45: 10) وكيف أنّ (أونام) بالعبرانيّة كانت تُقرَأ (أومان) باليونانيّة كما في تكوين (36: 23)”. انتهى الاقتباس.
يعتبر البروتستانت أنّ هذه الأسفار لا ترتقي إلى مستوى الوحي الإلهيّ، وهي – من وجهة نظرهم – أسفار مدسوسة، وتضمّ موضوعات غير ذات أهمّيّة وخرافات لا يقبلونها! مع العلم بأنَّهم طائفة حديثة نسبيًّا (بعد 16 قرنًا من بداية المسيحيّة)!
وسبب رفض اليهود لهذه الكتب أيضًا هو أنَّ المسيحيّين استخدموا اللغة اليونانيّة لنشر كلمة المسيح، فقرَّروا رَفض كلِّ كِتابٍ يونانيٍّ للتّقليل من الانتشار المسيحيّ
يقول اليهود والبروتستانت أنَّ هذه الأسفار لم تدخل ضمن أسفار العهد القديم التي جمعها عزرا الكاهن عندما جمع أسفار التّوراة سنة 534 ق.م. ويتجاهلون أنَّ بعض هذه الأسفار تعذَّر العثور عليه أيّام عزرا بسبب تشتّت اليهود بين الممالك. كما أنَّ البعض الآخر منها كُتِب بعد زمن عزرا الكاهن.
كما يقولون أنَّها لم تَرِد ضمن قائمة الأسفار القانونيّة للتّوراة التي أوردَها “يوسيفوس” المؤرِّخ اليهوديّ في كتابه. لكنّ يوسيفوس نفسه بعد أن سرَدَ الأسفار التي جمعها عزرا كتب قائلًا: “إنَّ الأسفار التي وُضِعَت بعد أيّام ارتحششتا الملك كانت لها مكانتها عند اليهود. غير أنَّها لم تكن عندهم مؤَيَّدَة بالنَّصِّ تأيُّدَ الأسفار القانونيّة؛ لأنَّ تعاقُب الكَتَبَة المُلهَمين لم يكن عندهم في تَمام التّحقيق”
إنَّ أسفار الأبّوكريفا[19] الأصليّة هي أسفار أخرى غير هذه. فهناك أسفار أخرى كثيرة لفّقها اليهود والهراطقة وقد رفضها المسيحيّون بإجماع الآراء. إذًا فلا معنى أن نضع الأسفار القانونيّة المحذوفة في مستوى هذه الأسفار التي أجمع الكلُّ على رفضها.
أنَّ الأسفار التي حذفها البروتستانت تتضمَّن أحداثًا تاريخيَّةً لم يختلف المؤرِّخون على صدقها. كما أنَّها تعرض لنماذج حيَّة من الأتقياء القدّيسين. فضلًا عن أنّها تتضمَّن نبوءات عن السَّيِّد المسيح وأقوالًا حكيمة غاية في الكمال والجمال ولا معنى إذًا للقول أنَّ الأسفار التي حذفوها غير موحى بها.
وبدون الغوص في التّفاصيل نذكر أنَّ كَتَبَةَ أسفار العهد الجديد اقتبسوا الكثير من الأسفار القانونيّة التي حذفها البروتستانت. فقد اقتبسوا من أسفار طوبيّه ويهوديت وحكمة سُليمان ويشوع بن سيراخ ومكابيّين 1 و2. كما أنَّ السّيّد المسيح، في إنجيل يوحنّا، تكلّم عن عيد التّجديد الذي لم يَرِد ذِكره سوى في أسفار المكابيّين.
من الجدير ذكره أنَّ سِفرَ المكابيّين (ما بين 150- 200 ق.م) حينما يتكلّم عن استشهاد الرجال المكابيّين السّبعة وأمّهم سَلَموني الذين نعيّد لهم في 1 آب شرقي (14 آب غربي) يذكر أنّهم كانوا مؤمنين بالقيامة وعلى هذا الأساس استشهدوا، فكأنّنا تمامًا أمام مشهد استشهاد المسيحيّين الأوائل.
بالإضافة إلى ذلك فإن السِفرَ يُعلِّمُنا الصّلاة من أجل الرّاقدين لمغفرة خطاياهم، وهذا مما يرفضه البروتستانت أيضًا.
أمّا سِفر طوبيَّه فيشرح لنا علاقة الملائكة بالإنسان بشيء من التّفصيل، ولا غرو، فإن العهد القديم كما المزامير تتكلّم عن هذه العلاقة بإيجاز كما تكلّم عنها الرّبّ يسوع المسيح. ولا ننسى الملاك حارسُ الإنسان الذي نصلّي له أيضًا.
نجد أخبار تَعامُل الملائكة مع الإنسان في أسفار التّكوين، الخروج، العدد، القضاة، صموئيل الثاني، الملوك الأوّل والثّاني، أخبار الملوك الأوّل والثّاني، طوبيَّه، المزامير، سيراخ، إشَعيَاء، باروخ، دانيال، هوشَع، زكرِيَّه، مكابيّين الأوّل والثّاني، متّى، لوقا، يوحنّا، أعمال الرُّسُل والرؤيا. أي في 24 سِفرًا من أصل الـ 73 التي تؤلِّفُ الكتابَ المقدَّس، أي في الثلث.
[1]جمع وترجمة وتنسيق الأرشمندريت حنانيا الياس كسّاب. صفحة 869. الصادر سنة 1975
[2] أي سِفرَي صموئيل وسِفرَي الملوك في بعض التّرجمات
[3] ويُشار إليه أحيانًا باسم عزرا الثّاني
[4] قانون الرُّسُل يحصي ثلاثة كُتب للمكابيّين
[5] أو حكمة سُليمان
[6] أي سِفرَي صموئيل وسِفرَي الملوك في بعض التّرجمات
[7] ويُشار إليه أحيانًا باسم عزرا الثّاني. نحميه وليس نحميا لأن الاسم مؤلّف من مقطعَين: نحم ومعناها: تعزية ويه أي يهوه. فيكون معنى الاسم: الله يعزي أو تعزية الله. من المفيد العلم أن الأسماء في العهد القديم لها معاني.
[8] عوبِد أي عبد فيكون معنى الاسم عبد الله
[9] صفن أي ستر فيكون معنى اسمه الله ستر أو يستر
[10] زكريّا أي ذكر كما في اللغة العربية فيكون معنى اسمه الله ذكر أو يذكر. وهو مثال ما سيرد لاحقًا من أن العبرية والعربية لهما ذات الاشتقاقات كونهما لغة ساميّة
[11] إشّعياء ومعنى اسمه الرب يخلص
[12] إرمِيَه ومعنى اسمه الرب يؤسِّس
[13] وتجب قراءتها على مثال جبرائيل أي حِزقيئيل. إيل ومعناها الله. فيكون معنى اسمه الرب يقوّي. كذلك دانيال = دانئيل أي الرب يدين أو يقضي. وهنا أيضا تتقاطع معاني الأسماء بين العبرية والعربية فكلمة دان لها ذات المعنى في اللغتَين.
[14] معنى ذلك أنّها مهمّة وقانونيّة (كاتب المقال). لم يذكر سفرَي المكابيّين مع أنّ قانون الرُّسُل يذكرهما
[15] قانون الرّسُل ومجمَعَي اللاذقيّة وقرطاجة يحصيه بين الكتب القانونيّة
[16] ومعنى الاسم الرب طيّب
[17] “أسفار موسى، ترجمة عربيّة للسبعينيّة” ترجمة د. خالد جورج اليازجيّ. النّاشِر مدرسة الإسكندريَّة. 2018
[18] كما ورد في تفسير معاني الأسماء أعلاه
[19] كلمة يونانية قديمة تعني “أشياء تم إخفاؤها”، وتترجم إلى الكتب المنحولة أي المحرَّفَة أيضًا