غروبُ عيدِ القدّيسِ نكتاريوس
نوفمبر 21, 2022عندما تَتوفر مَساحات الحُرية والتَعبير وتَتجدد مِنصات الحِوار وأساليب التَخاطب فَهذا لا يَعني أبداً تَبديل أُصول الاشياء أو مَس ماضيها وحاضرها، باتَ جلياً أن نَشاطَ الكنيسةِ الرُومية الأرثوذكسية يُزعج البَعض مِمَن سَعوا سَابقاً وحالياً لصَبغِها بِلونِ القِدم والتَسلط والهَيمَنة، لا بل يُسوق البَعض وكأنها تقف عائقاً ضِد التَحضُر وتَقدم المُجتمع المَدني العَصري.
إن هذا النِظام البَطريركي الكنسي الذي يُحاول البَعض في كُلِ مُناسبة (تَسطيحه) وإعادتِه الى جذورهِ ومَعانيهِ اللغوية الصَرف وتَفريغهُ من حَقيقته وعُمقهُ الكَنسي، لابل التلميح وكأن النظام البطريركي الكنسي هو نِظام مُتأخر ذُكوري يُقصي دَور المَرأة وحُضورها، فلولا تَفاعلهُ مع كلِ الأزمنة وتَكيفِهِ مع تَقدم المُجتمعات الانسانية وإحتياجاتِها وتَطورَهُ ومُواكبتِه لكلِ العُصور لَما صَمدَت الكَنيس تاريخياً ووطنياً حتى يَومِنا هذا مُنذُ مايَزيد عن الألفي عَام تقريباً، ولا تَمكنت من حِفظِ الايمان القَويم ونَقلِه من جيلٍ الى جِيل، وهذا يَنطبق على جَميع الكَنائس الرَسولية الشَرقية والغربِية مِنها.
لن أخوض في هذا المَقام بِتفسير المُفسر ولن أخوض في مُراجعة تَاريخية للمَسيحية أو تَاريخ الكنائس الرَسولية ودَورها في نَهضةِ البِلاد وتَقدمها، فهي أمور واضِحة ومُتوفرة للبَاحثين والمُراجعين، كما لا يُمكن أن تَنطلي على أحد قِصة (الانشقاقات والاصلاحات الكنسية في القرون الوسطى) فهذه الاحداث التاريخية لم تَقم لتَمَس جَوهر الايمان والتَعليم المَسيحي، فمن غير المُمكن التلميح لها وكأنَها طعنَه في خاصرة البَطريركيات، وإن الكنائس الرَسولية أو الكَنائس الأولى التي يُحاول البَعض تَسميتَها بالكنائس التاريخية هي كَنائس قَائمة وحَاضرة وحَية وشَابة وهي الكنائس المُتجددة يَومياً.
إن الدور التَنظيمي الذي تَقوم بهِ الكَنائس الرَسولية من خِلال مَجلس رؤساء الكَنائس في الأردن ليس دوراً ضِد أحد، وهذا ما سَبق وأوضَحهُ نِيافة المُطران حَنا (خريستوفورس) عَطالله في أكثر من مُناسبة، بل يأتي هذا الدور التنظيمي ضِمنَ خُطواتِ تَرتيبِ البَيت الداخلي المَسيحي في الأردن دُون المَساس بحقِ أحد ودون تَقييد حُريته الشَخصية، ومِثال عَليه طلب إحالة الدَعاوى القضائية الى المَحاكم الكَنسية المُختصة أسوةً بِسائِر مَسيحيي الأردن.
كفالة الدُستور للحُريات لم يَأتي ليُعطي مَساحةً للفوضى، ولا النِظام الديمقراطي في الأردن وُجِدَ لتَجاوز حُدود الهَوية المَسيحية الوطنية أو القفز عَنها، وإنه لمِن غَير المَنطقي أن تَجتمع مَجموعة في مَكان ما حَول العَالم وتُعطي لِنَفسها إسم كَنيسة ونأتي لنُطالب لها هُنا في الأردن بِشَرعية ما و بِشكل عَشوائي، المَسيحية في هذهِ البِلاد لها تَاريخ عَريق وأصول مُتجذرة وحَاضر يُحترم، والقانون الأردني مُنذ زَمن الامارة نَظم شؤون الطوائف ولم يَستثني أحداً وحَفِظَ حُقوق الجَميع، ومَجلس رُؤساء الكنائس في الأردن لم يَنتقص من حُرية عِبادة أحد، بَل هُو مِظلة جامِعة للكُل منذ عام 1999.
لا أعتقد بأن الأمر وصل لحالةِ (أزمة) فالقوانين والانظمة واضِحة والتجاوزات أو المُخالفات لابد من تَصويبها ولا تَتحملها الكنائس أو الطوائف المُعترف بِها بِحسب القانون والمُسجلة رسمياً، يبقى التواصل السَليم ضِمن الأطر الصَحيحة هو الحَل.
فؤاد الكرشة