سر مسحة الزيت
يناير 11, 2024سر الكهنوت في الكنيسة الارثوذكسية
يناير 11, 2024منذ زمن العهد القديم كان يوجد كهنوت ملوكي للشعب العبراني. فالرب بإعطائه الشريعة لموسى أعلن لهذا الشعب قائلاً: “إن سمعتم لصوتي وحفظتم عهدي تكونون لي خاصة من بين جميع الشعوب… وأنتم تكونون لي مملكة كهنة أمّة مقدّسة” (خر (٥:١٩-٦) هذا الكهنوت الملوكي اختلف عن الكهنوت الخاص الذي أسسه الله نفسه، بعد تثبيت العهد وإعطاء الشريعة وأعطاه لسبط اللاويين فقط، ليخدموه ويباركوا باسمه” (تث ٨:١٠). في العهد الجديد وبدم المسيح بقي الكهنوت الملوكي لجميع المؤمنين “وأما أنتم فجنس مختار وكهنوت ملوكي، أمّة مقدّسة…” (ابط (۹:۲). لكن كهنوتهم لم يعد حفظاً خارجيًا للعهد، إنّما اشتراك في موت المسيح وقيامته هذه الشركة تكتمل، ويتحقق كهنوت المؤمنين الملوكي هذا بعد مسحهم بالميرون المقدس، حيث ينالون مواهب الروح القدس ويصيرون أعضاء مواهبيين في جسد المسيح “الكنيسة”. هكذا كهنوت المؤمنين في العهد الجديد أخذ بُعدًا أعمق بمسحة الميرون مما كان عليه في القديم. فالمسحة التي كانت في العهد القديم مقتصرة على الملوك والكهنة والأنبياء، تمتد الآن في الكنيسة إلى جميع الذين تجدّدوا بالمعمودية. وتجعل من كلّ مؤمن خُتم بالمسحة المقدسة حاملاً لوظائف المسيح الثلاث: “هذا وأنت تصير ملكًا وكاهنًا ونبيًّا في الغسل. هذا يعني أنّ الإنسان الذي سقط قديمًا من نعمة الله ومواهبها، يستعيد ثانيةً طبيعته الكهنوتية، ويأخذ مكانه في الجماعة الافخارستية حيث هناك تتفعل وتكشف وتنمو قواه المواهبية ويصير جزءًا من حياة الكنيسة المواهبية، فالمؤمن أصبح يملك كهنوتا لأن المسيح أعطاه أن يصير “مملكة كهنة أمة مقدسة” (خر٥:١٩(.
إذا هذا الكهنوت هو عطية من الله لكل مؤمن، لكنه أيضا أمانة في عنقه فيتوجب عليه أن يحافظ عليها ويسعى للنمو فيها نحو معرفة والخلاص لذا يتطلب منه تقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله (۱بط ۵:۲) لأجله ولأجل بنيان كل جسد المسيح ذبيحة صلاة ذبيحة رحمة، ذبيحة نقاوة ذبيحة عدل، ذبيحة قداسة. أي أن المؤمن يخسر هذا الكهنوت الملوكي إذا تهاون في تقديم هذه الذبائح الروحية، كما خسرها آدم قديما، لأن هذا التهاون في تقديم مثل هذه الذبائح تعني انحراف الإنسان عن محبة الله وخروج آخر عن طاعته له لكن الله الذي أعطى آدم في القديم فرصة للتوبة والخلاص، يعطي هكذا لكل خاطى فرصة لاستعادة هذه النعمة الكهنوتية، يقول الذهبي الفم لمن يُخطئ بعد اغتساله بالمعمودية: “إنك تصير مجددًا كاهنا حين تغتسل بالتوبة وتطرح عنك الأعمال الشريرة والخطيئة وتقدّم نفسك الله باذلاً جسدك الأجله .هكذا يصير سر المسحة المقدسة سر الكهنوت العام، حيث يوضع الكل في كهنوت كامل ومتساو وتحت ظل النعمة المقدسة ذاتها. ومن داخل هذه المساواة في الكهنوت العام يؤخذ البعض ويكرسون بالفعل الإلهي أساقفة وكهنة. لأن الكهنوت الملوكي لا يتحقق ويكتمل دون الكهنوت الخاص هذا يعني أن كهنوت المعمدين العام لا يمكنه بأية حال أن يلغي الكهنوت الخاص لأن هذا الكهنوت بالنعمة الخاصة التي تعطى له غايته إدخال المؤمنين وتثبيتهم في جسد المسيح، وذلك عبر ممارسة الأسرار المقدسة والتعليم والرعاية وغايته أيضا متابعة نموهم الروحي إلى أن يصلوا إلى ملء قامة المسيح، أي إلى تحقيق الشركة الكاملة مع المسيح في اليوم الأخير لأن الله أعطى الكهنوت كعطية الضمان خلاص وتأله كل الكائنات العاقلة والمفكرة.
دور الكهنوت هذا يدفعنا إلى التشديد على حقيقة ارتباطه بالكنيسة إرتباطا لا ينفصم فكما أنه خارج الكنيسة لا يوجد خلاص، هكذا دون سرّ الكهنوت لا توجد كنيسة.
هذا يعني أنه بدون سرّ الكهنوت لا يوجد خلاص. فالأساقفة والكهنة والشمامسة مقامون من الله نفسه، لم تخترعهم الكنيسة منذ البدء، إذ حين يقول المسيح أنه يكون معنا كل الأيام إلى انقضاء الدهر مت ۲۰:۲۸)، فهو يعني أنه معنا في الكنيسة مع الرسل وخلفائهم، ونحن نكون معه في شركتنا في الكنيسة مع الرسل وخلفائهم الذين يكتلون عمل تدبيره الخلاصي للبشر. فالأساقفة والكهنة هم وسطاء عبرهم المسيح نفسه يمارس سلطته وكهنوته، هذه الشركة مستمرة لأن حضور المسيح في كنيسته مستمر حتى اليوم الأخير. يقول الذهبي الفم أن المسيح لم يكن ينتظر أن يبقى الرسل حتى انقضاء الدهر، لذا هو باق مع خلفائهم أولئك الذين سيؤمنون بعدهم”. هكذا عرف الأسقف والكاهن بأنه ذلك الكائن الذي انتدبته النعمة الإلهية ليجعل من أفراد ،رعيته كائنات افخارستية يقدمون الشكر والتمجيد الدائم لله بواسطة عمل النعمة المقدسة لكل الأشياء فمنذ أيام احتفال العبرانيين بالعشاء الفصحي كان يوجد دائما متقدم يبارك هذا العشاء، ويرسل الصلاة الشكرية، ونجد في العهد الجديد أن المسيح قد أخذ هذا المكان في العشاء السري. وبعد العنصرة أعطي هذا المكان للرسل الذين كانوا يترأسون أنفسهم هذه العشاءات الافخارستية. وفي إنطلاقهم إلى هذا العالم، كان الرسل أمينين لوصية المسيح الأخيرة بأن يذهبوا ويتلمذوا كل الأسم… متى (۱۹:۲۸). وكان المعمدون في كل مكان يكونون مباشرة. جماعة افخارستية الكنيسة المحلية، وكان الرسل يضعون علهم أسقفًا، وينطلقون هم إلى البشارة في مكان آخر.
ومن المصادر الليتورجية القديمة نجد أن الأسقف كان يحاط بمجمع من الكهنة، حيث كان ينتدبهم إلى تتميم العشاء الافخارستي في أمكنة أخرى بعد ازدياد عدد المؤمنين واستحالة جمعهم كلهم في مكان واحد. وظل الأسقف الذي تلقى عطية الروح القدس خلال رسامته رمزا لوحدة الكنيسة ومتمما لعمل المسيح فيها”.
كليمندس الرومي في نهاية القرن الأول يثبت حقيقة الكهنوت هذه فيقول: “المسيح من الله والرسل من المسيح وكلاهما ينبعان من إرادة الله بترتيب منظم وقد حمل الرسل بشارة اقتراب الملكوت السماوي بعد أن استمدوا معرفتهم من قيامة السيد المسيح وتأكدوا من كلام الرب بالروح القدس. خرجوا يبشرون في المدن والقرى وكانوا يعمدون الذين يطيعون إرادة الله وأقاموا مختاري الروح القدس أساقفة وشمامسة وهذا ليس بجديد لأنه منذ القديم كتب عن الأساقفة والشمامسة “سأقيم أساقفتهم بالعدل وشمامستهم بالإيمان” (أش. ١٧:٦)”.