صلاة الختن الثانية عشية الأثنين العظيم المقدس
ديسمبر 28, 2023الاستعداد للمناولة
ديسمبر 29, 2023إن عيد دخول والدة الإله إلى قدس الأقداس هو ثاني عيد من الأعياد السيّدية في السنة الطقسية التي تعيّده كنيستنا وهو تهيئة العذراء لتصبح أمّاً للمسيح الإله.
إن هذا الحدث لا يُذكر في الأناجيل الأربعة ولكنّه موجود في تقليد الكنيسة، وهو موجود أيضاً في أحد الأناجيل المنحولة والمسمى بـ “الإنجيل الأول ليعقوب” والذي منه أخذت الكنيسة الملاحظات المهمّة وفسرتها تفسيراً لاهوتياً وأدخلتها في فنّها، كما هو الحال في الترانيم أو في الأيقونات، وعمل الآباء القديسون على تحليل حياة والدة الإله في قدس الأقداس بطريقة لاهوتية.
إن فحوى هذا العهد لا يعتبر فحوى لاهوتياً في تهيئة الشخص المناسب لولادة المسيح فحسب، وإنما أيضاً في السعي إلى تأله جميع البشر.
من خلال بعض الأحداث التي سنذكرها سنظهر بعض المعالم والمزايا الأساسية التي في شخص والدة الإله، ولكننا لن نستطيع ان نظهرها بالكامل.
الأحداث التاريخية:
بحسب الإنجيل المنحول ليعقوب فإنه عندما أصبحت مريم بعمر السنتين، أشار والدها يواكيم إلى حنّة والدتها بأن يأخذانها إلى الهيكل ويكرّسانها لله، ولكن حنّة أصرّت بأن تبقى لسنة إضافية أخرى إلى أن يصبح عمرها ثلاث سنوات حتى لا تطلب أهلها.
وعندما أصبح عمرها ثلاث سنوات دعا يواكيم العذارى الذين في الهيكل ليصطحبنها، حاملات في أيدي كلّ منهن شمعة مضاءة، وصعدن إلى الهيكل، وحينها استقبلها الكاهن وقبّلها وباركها وتنبأ بأن الرب سيمجّد اسمها على كل العصور، وانه منها سيأتي فداء اسرائيل.
وبعد ذلك وضعها الكاهن في الدرجة الثالثة للمذبح، وأما مريم فقد فرحت طرباً، والشعب أحبّها، وعاشت مريم في الهيكل وكانت تتغذى كالعصفور آخذة طعامها من يد الملاك.
يفسّر كتاب السنكسار هذا العيد تفسيراً لاهوتياً كالتالي:
إن عملية اصطحاب والدة الإله من قِبل الكهنة إلى قدس الأقداس حيث يدخل رئيس الكهنة مرّة واحدة في السنة يرمز إلى الحدث الخلاصي الذي سيحدث مرّة واحدة في الزمن. هناك في قدس الأقداس أقامت مريم ومكثت حتى صارت في عمر الإثني عشر عاماً، وعاشت هناك وحدها لمدة لمدة اثني عشر عاماً لحين موعد بشارتها، وكانت تقتات من إيدي الملائكة.
من الواضح أن دخول مريم إلى قدس الأقداس في سن الثلاث سنوات مرتبط برؤيتها الإلهية واشتراكها بالنور الإلهي، من أجل تثقيف وترويض جميع قدراتها. كان غذائها الذي كانت تقتات منه سماوياً، وهذا يعني أنها كانت واصلة إلى مرحلة التأله، وهي حالة اشتراك الإنسان في النور غير المخلوق وهذه الحالة مرتبطة بالرؤى الإلهية. إنها قديسة القديسين في اللاهوت الأرثوذكسي.
يرتبط التاريخ باللاهوت، والتأله هو تهذيب جميع القدرات الجسدية، إنه تجلي الجسيد وتجلي التاريخ من أجل ظهور الخليقة الجديدة.
يرتبط تحديد عيد دخول السيدة إلى الهيكل (21 تشرين الثاني من كل عام) بحدث تاريخي ألا وهو تدشين الهيكل الذي سمّي بكنيسة الكلية القداسة، وهذا قد حدث من أجل إظهار اللاهوت المتعلق بوالدة الإله.
بنى الإمبراطور يوستنيانوس الأول (527 – 565) كنيسة عظيمة (بشكل بازيليكي) لإكرام الكلية القداسة في مكان هيكل سليمان في القدس فوق التلّة التي تدعى موريا والتي قد دمرت. وقد حدث تدشين هذه الكنيسة في 21 تشرين الثاني من عام 543، وسمّيت بكنيسة القديسة مريم أو الكنيسة الجديدة، وهكذا ارتبط هذا التاريخ بتاريخ دخول السيدة إلى الهيكل، ودخل هذا العيد إلى القسطنطينية في نهاية القرن السابع وبداية القرن الثامن والذي أدخل هذا العيد هو القديس جرمانوس القسطنطيني، وقال في هذه المناسبة عظتين، وقد حدد الامبراطور مانوئيل كومنيتوس بأن يكون هذا العيد يوم عطلة رسمية في البلاد.
الهيكل وقدس الأقداس:
إن الهيكل الذي دخلته العذراء مريم هو نفس الهيكل الذي كان على أيام المسيح له المجد ووعظ وعلّم به، ولكنه لم يكن هو نفس الهيكل الذي بناه سليمان الملك، وإنما يقال عنه بأنه الهيكل الثالث.
بنى سليمان الملك الهيكل الأول والذي كان عظيماً في الجمال والكمال كما يوصف في (1 ملوك 5 – 8) وقد دُمّرَ هذا الهيكل بالكامل على عهد نبوخذ نصّر، وأما الهيكل الثاني فقد بني بعد عودة اليهود من السبي من بابل، وفيه قد قُتل النبي حجاي والنبي زكريا اللّذان طالبا من الحاكم زروبابل بأن يجددا بناء الهيكل الأول، حيث أن الهيكل الثاني كان أصغر من هيكل سليمان، وقد طهّره يهوذا المكّابي بعد تدنيسه من قبل أبيفانيوس الأنطاكي وأقامه بقدر المستطاع بشكل أفضل، ولكنه لم يستطع أن يخفي فقره، أما الملك هيرودوس فقد أخذ على عاتقه بأن يبني هيكلاً عظيم الوقار وقد سمّي هذا الهيكل بالهيكل الثالث، وهو الذي كان في عصر مريم العذراء والرب يسوع المسيح، وكانت مساحته ضعف مساحة هيكل سليمان، وبه الكثير من التأثيرات التي من بابل، وقد بني على الطراز اليوناني الروماني، هذا هو الهيكل الذي قال عنه اليهود بأنه قد بني في مدة ستة وأربعين (46) عاماً وأنت ستقيمه بثلاثة أيام؟ (إنجيل يوحنا 2: 20) فَقَالَ الْيَهُودُ: «فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً بُنِيَ هذَا الْهَيْكَلُ، أَفَأَنْتَ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ؟”.
إن الفكرة الأساسية من بناء الهيكل هي وجود قدس الأقداس الذي يُصعَد إليه بعدة درجات بحيث يُفصل عن ساحة الوثنيين، وقدس الأقداس هذا يدخل إليه رئيس الكهنة مرّة واحدة في السنة فقط.
في الخارج كانت توجد ساحة الوثنيين وبعد ذلك توجد بوابة، وهذه البوابة كانت مجمّلة ومزخرفة وكانت تُدعى البوابة الجميلة، ومن هناك تبدأ ساحة النساء، حيث يكون لهنّ الحق بالدخول، وبعد ذلك توجد ساحة الكهنة حيث كانوا يقدّمون العبادات، وهناك يوجد المذبح حيث كان يتم تقدمة الذبائح وأوعية التنقية، وبعد ذلك يُصعد بأدراج إلى هيكل القدس حيث توجد مائدة خبز التقدمة والمنارة السباعية ومذبح البخور، وبعد ذلك أدراج تقود إلى قدس الأقداس حيث يدخله رئيس الكهنة مرّة واحدة في السنة.
إن هيكل سليمان والهياكل التي بنيت بعده كانت استمرارية لخيمة الاشتراع التي صنعها موسى النبي بحسب وصيّة الرب، وكانت هذه أساس ما نراه في الهيكل، وكل هذا كان نسخة لما رآه موسى في جبل سيناء بينما كان هناك الشعب ينتظر على أطراف وأسفل الجبل، وكان يُسمع صوت كالرعد ويُرى البرق، وكان الكهنة يتقدمون الشعب، وأما موسى فهو الوحيد الذي صعد إلى أعلى الجبل (القمّة)، ودخل في الغمام وصار يرى الله.
إن معاين الله يجد مسيره دائماً نحو العلاء باتجاه الرؤية الإلهية أو التأله، وبولس الرسول يذكر هذا الذي حدث مع موسى وخيمة الاشتراع في (عبرانيين 19 – 9) ويُقرأ هذا الموقع في عيد دخول السيدة إلى الهيكل لأنه يتكلّم عنها.
في (عبرانيين 19 -11) يتكلم بولس الرسول عن المكان الأول الذي فيه كان يقف اليهود وغير اليهود والأمم، وهذا دلالة على التنقية، ثم في المرحلة الثانية المكان الذي هو ساحة المربع ويدخل هناك الكهنة حيث يقدمون العبادات وتقدمات الذبائح، وكانت هذه ترمز إلى لإنسان من حيث جسده وليس من حيث روحه، ثم في المرحلة الثالثة قدس الأقداس حيث يدخله رئيس الكهنة مرة واحدة في السنة.
في هذا الخصوص يقول القديس ماكسيموس المعترف بأن انتقال الإنسان في المرحلة الأولى من الساحة الخارجية (مرحلة الأمم) إلى الساحة الثانية حيث الكهنة تمثل انتقاله من عبادة الأصنام إلى عبادة الله في الحياة الأخرى، ومن هناك عبادة الله القلبية والرؤية الإلهية، وهذه المراحل الثلاث تمثل التنقية والاستنارة والتأله.
إذاً كان هذا رمزاً لمسيرة النفس الإنسانية التي ترتفع وتُقاد إلى معرفة طريق الكمال، وكما أنه عندما يدخل الإنسان الهيكل فإنه يترك جميع الضلالات خارجاً وكذلك أيضاً حينما يدخل في قلبه قدس الأقداس، وهكذا يصل إلى المعرفة الإلهية.
وكما أنه يوجد استمرارية في المسيرة ما بين خيمة الاشتراع إلى الهيكل وقدس الأقداس عند اليهود كذلك أيضاً يوجد استمرارية مسيرة في تنقية قلب الإنسان من الأهواء إلى استنارة الذهن من خلال الصلاة القلبية وبالتالي إلى التأله.
جميع هذا يدل على أن دخول مريم العذراء إلى قدس الأقداس يعني دخولها إلى مرحلة التأله بالنعمة حتى تصبح الشخص المناسب، التي منها سيأخذ المسيح الطبيعة البشرية ويتحد بها ويؤلهها.
أطهر هيكل للمخلّص:
إن دخول الكليّة القداسة إلى الهيكل ألهم كاتبي الطروباريات بأن يؤلفوا طروباريات بمعاني لاهوتية كبيرة، ومن ضمن ما يرتل هو قنداق العيد الذي نسمعه يرتل في عدّة مراحل في كل فترة العيد: “إن هيكل المخلّص الكلّي النقاوة البتول الخدر النفيس والكنز الطاهر لمجد الله، تدخل اليوم إلى بيت الرب وتُدخِل معها النعمة التي بالروح الإلهي، فلتسبحها ملائكة الله لأنها هي المظلة السماوية”.
في هذا القنداق نرى ثلاثة ملاحظات مهمة:
أولاً: ان الكليّة القداسة هي الهيكل النقي للمخلّص.
ثانياً: إنها خدر المجد الإلهي.
ثالثاً: إنها كنز المجد.
الملاحظة الأولى: إن الهيكل ليس المكان الذي يُعبد فيه الله فحسب وإنما أيضاً ذاك الإنسان الذي فيه تصعد العبادة الإلهية، وهذا ما يكتبه القديس بولس الرسول: “وَأَيَّةُ مُوَافَقَةٍ لِهَيْكَلِ اللهِ مَعَ الأَوْثَانِ؟ فَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ هَيْكَلُ اللهِ الْحَيِّ، كَمَا قَالَ اللهُ: «إِنِّي سَأَسْكُنُ فِيهِمْ وَأَسِيرُ بَيْنَهُمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا، وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا” (رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس 6: 16)، في داخل هذا الهيكل يسكن الله نفسه ويسير، كلمة يسكن تعني أن المسيح هو ذاك الذي يسكن وأنه في داخل هذا الإنسان تعمل نعمة الله، وكلمة يسير تعني أنها تخلق هزات روحية وانجرافات روحية تجاه العلاء.
كل جسم الإنسان المسيحي هو هيكل وأسوار وأسطح لهذا الهيكل، وقلبه هو الهيكل المقدس حيث يوجد المذبح المقدس ومن هناك تقدَّم الصلوات بلا انقطاع والمحبّة والعبادة لله.
إن مريم العذراء منذ نعومة أظفارها كانت انقى هيكل للمسيح المخلص، وكان مُنعم عليها منذ أن حُبل بها وأن حُملت في بطن أمها ومنذ ولادتها، وهي كعذراء كانت هي الهيكل الحي لله، وهي أيضاً الخدر الروحي أي أنها هي غرفة العريس حيث سيسكن رب السماوات والأرض.
لقد كانت العذراء مريم هي الشخص المناسب لأن تصير عروسة للعريس مؤهلة بما يلزمه للتجسد، إن مريم العذراء هي كنز مجد الله، إن مجد الله هو نور الله، هو النور الإلهي الذي يستحق البعض بأن يروه في قلوبهم.
الملاحظة الثانية هي أن الكلية القداسة والتي هي أنقى هيكل للمخلّص وكخدر للعريس السماوي وكمنزل للمجد الإلهي، تدخل إلى هيكل الله وفي ذات الوقت تدخل معها نعمة الله. إن الهيكل الذي تصير فيهه العبادات اليومية هو مكان مبارك، ولكن الأعلى منه هو الهيكل الحي وهو مريم العذراء.
والسؤال المطروح هو: كيف يمكن لفتاة صغيرة أن تدخل قدس الأقداس الذي لم يكن يُسمح بأن يدخله سوى رئيس الكهنة ولمرة واحدة في السنة؟ نُجيب بأن مريم العذراء عندما دخلت إلى قدس الأقداس لم تأخذ نعمة فحسب وإنما تلقّى قدس الأقداس أيضاً نعمة من هذه الفتاة المباركة. إن رئيس الكهنة ووالديها قد تلقّوا إعلاناً من الله وهو أن هذه الفتاة ستتهيّأ لأن تصبح والدته.
الملاحظة الثالثة هي أن الملائكة الذين كانوا يرون الكلية القداسة عندما كانت تدخل إلى الهيكل كانوا يسبحونها قائلين انها هي الخيمة السماوية، والخيمة السماوية هي مجد الله غير المخلوق، وهي النور الإلهي غير المخلوق، وعبارة “الخيمة السماوية” تذكرنا بالإنجيلي يوحنا الذي يكتب في رؤيا يوحنا “وأنا يوحنا رأيت المدينة المقدسة أورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند الله مهيأة كعروس مزينة لرجله، وسمعت صوتا عظيما من السماء قائلا: هوذا مسكن الله مع الناس، وهو سيسكن معهم، وهم يكونون له شعبا، والله نفسه يكون معهم إلها لهم” (رؤية 21: 2 – 3) وهنا يتكلم عن الخيمة غير المخلوقة مجد الله والنور غير المخلوق، هذه هي الخيمة الحقيقية التي بناها الله وليس الإنسان “خَادِمًا لِلأَقْدَاسِ وَالْمَسْكَنِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي نَصَبَهُ الرَّبُّ لاَ إِنْسَانٌ” (عبرانيين 8 : 2).
هذا الحدث يذكرنا بخيمة أخرى غير مخلوقة والتي نزلت في حادثة تجلي المسيح في جبل ثابور، وعندما رأى بطرس الرسول مجد ألوهة المسيح عبَّر له عن رغبته بالبقاء هناك وأن يصنعوا ثلاثة خيام، واحدة للمسيح والثانية لموسى والثالثة لإيليا. في اللحظة التي كان يطلب فيها أن يصنع ثلاث خيام مخلوقة أظهر له الله الخيمة غير المخلوقة وهي السحابة التي ظللتهم (متى 17: 1 – 5) . هذه هي عطية الله العظيمة، نحن نطلب شيئاً صغيراً وهو يعطينا ويملأنا من عطاياه غير المخلوقة.
لقد تقبّلت الكليّة القداسة هذه النعمة الإلهية غير المخلوقة لذلك أصبحت هي الخيمة السماوية كونها كانت موجودة في الخيمة غير المخلوقة والتي أصبحت هي الخيمة التي تحمي جميع الذين يستدعونها ويطلبون شفاعتها.