سر الكهنوت في الكنيسة الارثوذكسية
يناير 11, 2024شروحات في خدمة سر المعمودية المقدس
يناير 11, 2024منذ بداية ظهور الكنيسة انحصرت الرئاسة بالرسل فقط، وبعد ذلك منحوها بحسب حاجة الكنيسة لأشخاص أمناء من تلاميذهم، حيث أصبح كل واحد من هؤلاء الأشخاص على رأس كنيسة محلية، وتوزعت المسؤولية في ما بينهم، إلى أن وضعوا درجات الكهنوت بحسب السلطة الممنوحة لهم من الرسل، لأنهم خلفاء الرسل، حيث نالوا التفويض من الله بنفس القوة والسلطة المعطاة للرسل من الرب يسوع.
يظهر التمييز بين هذه الدرجات الكهنوتية بشكلٍ واضح عند الآباء الرسوليين في أواخر القرن الأول ومطلع القرن الثاني “على الجميع أن يحترموا الشمامسة كالمسيح يسوع والأسقف كصورة للآب والكهنة كمجلس الله ومصف الرسل، بدون هؤلاء لاتوجد كنيسة..”.
وهذه الدرجات هي:
أ_ الأسقف
الأسقفية هي الدرجة الرئاسية العليا بين درجات الكهنوت، حيث ظهرت بسبب انتشار المسيحية في أماكن جديدة وبمساحات شاسعة، وبسبب عدم قدرة الرسل على التواجد في كل مكان، فلأجل قيادة الكنيسة بالإيمان وإدارتها في غياب الرسل وبعد موتهم سلّم الرسل بوضع اليد الرئاسة العليا لأشخاص ثابتين في الإيمان والتقوى وقادرين على الإدارة، واعطوهم اسم أساقفة أي رقباء. فمثلاً القديس بولس الرسول وضع يده على تيموثيوس وأقامهُ أسقفاً على أفسس، وتيطس على كنيسة كريت، وأيضاً أقام مع الرسول بطرس لينوس أسقفاً على روما.
وبعد موت الرسل تحددت سلطة الأساقفة كخلفاء سلطة الرسل، حيث اختصت بهم وحدهم السلطة العليا في الكنيسة، فأصبح الأسقف هو رأس الكنيسة المحلية “حيث يكون الأسقف يجب أن تكون الرعية”، “وهو المؤتمن على شعب الرب والمسؤول أن يقدم حساباً عن نفوسهم”، هو الولي على أموال الكنيسة حيث ينفق منها على الفقراء ويأخذ ما يسد حاجاته الضرورية، ويرسم الإكليريكيين إذ “يقوم أسقف واحد برسامة القس أو الشماس أو غيرهم من الإكليريكيين”، ولا يستطيع كل من القسوس والشمامسة القيام بأي عملٍ بدون إرادته ونيل بركته، فعليهم أن يشاوروه في كل عملٍ يريدون أن يفعلوه ، وهو أيضاً يتشاور ويبحث معهم في القضايا الهامة مثل: انتخاب أشخاص مستحقين وملائمين للوظائف الكنسية، مسألة الأشخاص الذين سقطوا بالهرطقة أو الذين جحدوا الإيمان، مناقشة مسألة إدارة أموال الكنيسة، وغيرها…. وبذلك يساهم كل من الإكليروس والشعب في إدارة الكنيسة تحت رقابة الأسقف.
بسبب انتشار المسيحية واتساع المنطقة الخاضعة لكل اسقف، انتدب الأساقفة أشخاص ومنحوهم رتبة (خورابيسكوبوس) أي أسقف القرية، وكان لهؤلاء الأشخاص تفويض خاص من أسقف المدينة، حيث كانوا يديرون منطقة خاصة من كنائس القرى، ويساعدهم عدد من الإكليريكيين والعلمانيين، وكان لهم الصلاحية في انتخاب الإكليروس الصغير أي (الإيبوذياكون والقارىء…) وللبعض أن يرسموا قسوساً وشمامسة ولكن بعد أخذ إذن أسقف المدينة، وعليهم أن يقدموا له المعلومات عن الأشخاص الذين قبلوهم في الإكليروس.
ب_ الكاهن
الكاهن هي الدرجة الثانية من درجات الكهنوت، حيث ظهرت هذه الدرجة في زمن الرسل، عندما كان الرسل يقيمون في مكانٍ ما، كانوا يؤسسون فيه جماعة مسيحية، وفي حال إنتقالهم إلى مكان آخر كانوا يعيّنون كهنة أي شيوخ، من أجل إدارة أعمال إحدى الجماعات، وللإرشاد في التعليم، ولإقامة الخدم الإلهية أيضاً. كما فعل القديس بولس الرسول في رحلته الأولى حيث أنتخب كهنة في بعض الكنائس التي أسسها.
وبالرغم من أن بعض الرسل كانوا يقيمون في أحد الأماكن بشكلٍ دائم، فكانوا يعيّنون كهنة لمساعدتهم، لأنه بسبب زيادة عدد المؤمنين لم يعد الرسول قادرًا على أن يدير كنيسته، ويعلّم ويتمم الخدم… لوحده. كما حدث في كنيسة أورشليم حيث كان تحت رئاسة الرسول يعقوب عدة كهنة يساهمون مساهمةً فعّالة في أعمال الكنسية، فحضروا المجمع الرسولي واشتركوا بالبحث مع الرسل “فاجتمع الرسل والمشايخ لينظروا هذا الأمر.”
وكان الرسل يكرسون الكهنة “الشيوخ” بوضع اليد لإتمام الخدم المترتبة عليهم، وكانوا يمنحوهم حقوقاً رئاسية وتفويضاً عنهم، حيث كان للكهنة الحق في إتمام الأسرار والخدم الإلهية، وتعليم المؤمنين، فكانوا معاونين للرسل حيث يتلقون منهم التوجيه وينفذون أوامرهم.
وبقي هذا النظام مستمراً حتى ما بعد موت الرسل، حيث كان الكهنة هم أقرب المستشارين والمساعدين للأسقف بشؤون إدارة الكنيسة، وحتى في حال موت الأسقف أو تغييره كانوا هم يديرون كل الأعمال الكنسية بأنفسهم.
ج_ الشماس
هي أولى الدرجات الكهنوتية، حيث رُتبت من قبل الرسل أولاً في كنيسة أورشليم بسبب زيادة عدد المؤمنين، وعدم قدرة الرسل على القيام بالخدم اليومية بدون تقصير في واجباتهم الرئيسة مثل الوعظ بكلمة الله، والخدم الإلهية… . فانتخوا سبعة أشخاص مملوئين من الروح القدس وحكمةً ليخدموا على الموائد، فصلى الرسل ووضعوا الأيدي عليهم ومنحوهم لقب شمامسة أي خدّام، ثم انتقلت هذه التسمية من العام إلى الخاص وأُعطيت للأشخاص الذين يشغلون وظيفة معينة في الكنيسة.
وبعد ذلك انتقلت هذه الدرجة من الكنيسة الأم (أورشليم) إلى الكنائس الأخرى، فكانت وظيفة الشمامسة في البداية إدارة مقتنيات الكنيسة واستعمالها بشكلٍ صحيح، ثم زيد على واجباتهم الرقابة على ترتيب اجتماعات المؤمنين أثناء الخدم الإلهية، والوعظ بكلمة الله، وبذلك الوقت كانوا يتممون سر المعمودية ولكن لا يستطيعون منح نعمة موهبة الروح القدس للمعمدين.
فيما بعد أصبحوا يساعدون الأسقف في الإدارة وينفذون قراراته، فكانوا يجمعون المعلومات اللازمة للأسقف لأحد الأعمال وذلك بتفويض منه، كانوا يوزعون حسب إرشاداته المساعدات للفقراء والأرامل من مال الكنيسة، وكانوا يعلنون للمؤمنين قرارات الأسقف
وكان يوجد بين الشمامسة ما يسمى (الأرشيدياكون) أي رئيس الشمامسة الذي كان يشغل المكان الأول بين الشمامسة، وهو الشخص المقرّب والموثوق به لدى الأسقف، فكان يدير أمور الشمامسة والإكليريكيين ذوي الدرجات الصغرى ويقودهم في الخدمة الإلهية.
نتيجة علاقة الشمامسة وخاصةً رئيس الشمامسة بالأسقف والمؤمنين جعل لهم تأثير هام في إدارة الكنيسة وحتى أكثر من الشيوخ “الكهنة”، وكأنهم يشغلون درجة رئاسية عليا. ولكن المجمع المسكوني الأول حدد صلاحيتهم وأشار إلى أنهم أدنى رتبة من القسوس.
د_ الوظائف الكنسية غير الرئاسية
كان يُنتخب في كل كنيسة سبعة أشخاص لأجل خدمة الشماسية على غرار كنيسة أورشليم، ولكن بسبب تزايد عدد المؤمنين ازدادت واجبات الشمامسة، فلأجل التخفيف عنهم وجدت وظيفة (الإيبوذياكون) في القرن الثالث أي المساعد في الخدمة، وكان أصحاب هذه الوظيفة تحت إمرة الشمامسة ومهمتهم مراقبة المؤمنين الداخلين إلى الإجتماعات والخدم الإلهية لكي يشغلوا الأماكن المحددة.
كما في القرن الثاني عُيِّن أشخاص بوظيفة قرّاء من أجل تلاوة الكتب المقدسة في الإجتماعات الدينية، حيث من خلالها عينت بعض الكنائس الشرقية وظيفة المرتلين.
وبعض الكنائس الأخرى عينت وظيفة المعزِّمين لأجل طرد الأرواح النجسة من الممسوسين بها، إما بالصلاة أو بعلامة الصليب أو بالنفخ… .
ووظيفة خدَمة الأساقفة وخصوصاً في الخدم الإحتفالية، وأيضاً وظيفة البوابين من أجل الإهتمام بأماكن الإجتماعات والخدم الإلهية، وعدم السماح للمفصولين عن الكنيسة، الهراطقة، الوثنيين، واليهود بالدخول.
كما في بعض الكنائس ظهرت وظيفة الشماسات، حيث ينتخبن عذارى متقدمات في السن أو أرامل لهذه الوظيفة، فكنّ يقمنَ بتعليم النساء المتقدمات لاعتناق المسيحية، ويخدمنهن أثناء المعمودية، وتهيئة المقبلات منهن إلى سر الزواج، فكن ينفذن كل ما يكلفهن به الأسقف، فخدمتهن تشبه خدمة الشمامسة.