أحد المفلوج (المخلَّع)
ديسمبر 29, 2023الإيمانُ والثّقةُ بالله تمنحُ قلوبَنا السّلام
ديسمبر 29, 2023كثيرون ممن ليس لديهم الدراية العقائدية الصحيحة ينكرون بأن الرّب يسوع المسيح قد أقام في الكنيسة وظيفة أو خدمة خصوصية، أعني وظيفة الكهنوت، ويزعمون بأن جميع المؤمنين هم بالسويّة كهنة للإله العلي بنعمة المعمودية، ويقولون بأن المؤمنين بما أنهم لا يستطيعون أن يتمّموا جميع الواجبات الكهنوتية لذا فإنهم ينتخبون من بينهم أناساً أدباء يقيمونهم بمثابة نواب عنهم ليتقلدوا الوظائف الكنائسية دون إعطاء الإعتبار لكهنوت المسيح أو للنعمة المشرطِنة لهم.
ولكننا نرى الرّب يسوع المسيح يقيم مجموعة من البشر ويدعوهم رسلاً، وكان لهؤلاء تميُزاً في الخدمة عن باقي المؤمنين، وأقام أيضاً السبعين تلميذاً ، كما يقول الإنجيلي لوقا “وَلَمَّا كَانَ النَّهَارُ دَعَا تَلاَمِيذَهُ، وَاخْتَارَ مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ، الَّذِينَ سَمَّاهُمْ أَيْضًا «رُسُلًا»:” (لو 6: 13) ثم قال في (يو 15: 16) “لَيْسَ أَنْتُمُ اخْتَرْتُمُونِي بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ، وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوا وَتَأْتُوا بِثَمَرٍ، وَيَدُومَ ثَمَرُكُمْ، لِكَيْ يُعْطِيَكُمُ الآبُ كُلَّ مَا طَلَبْتُمْ بِإسْمِي.”
نرى أن المسيح قد أعطاهم الحقوق والقوّة بشأن تعليم جميع الشعوب وتتميم الأسرار المقدسة وإرشاد المؤمنين إلى الخلاص قائلاً: “فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ معمّدين إياهم بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرّوح الْقُدُسِ. “وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إلى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ». آمِينَ.” (مت 28: 19 – 20)” وأعطاهم دون غيرهم إقامة سر الشكر الإلهي، “وَأَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلًا: «هذَا هُوَ جَسَدِي الَّذِي يُبْذَلُ عَنْكُمْ. اِصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي».” (لو 22: 19)” كما وأعطاهم أيضاً سلطاناً لمغفرة الخطايا “اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولًا فِي السَّمَاءِ.” (مت 18: 18)، وهو الذي أرسل الرسل دون غيرهم بهذا السلطان، لذلك فإنه يقول: “فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا: «سَلاَمٌ لَكُمْ! كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا»، “وَلَمَّا قَالَ هذَا نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ: «اقْبَلُوا الرّوح الْقُدُسَ.” “مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ».” (يو 20: 21 – 23).
ولما سلّم الرّب هذه الرسالة لرسله الأطهار أمر أن تنتقل السلطة منهم إلى خلفائهم، ومن خلفائهم إلى الذين بعدهم، وأن تحفظ من جيل إلى جيل في العالم إلى انقضائه ” “وَقَالَ لَهُمُ: «اذْهَبُوا إلى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا.” (مر 16: 15) وَ”..هَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إلى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ». آمِينَ.” (مت 28: 20) هذا يعني أن الرّب يسوع المسيح شخصياً أقام سر الكهنوت مانحاً إياه للرسل شخصياً لتتميم عمل رسالتهم ومن ثم انتقل هذا السر عينه إلى جميع خلفائهم الآتين بعدهم، فهو امتداد من الرّب يسوع المسيح إلى الرسل وخلفائهم من بعدهم، وأكّد لهم حضوره معهم كل الأيام، وأقام هو نفسه في الكنيسة إقامة حقيقية بوضعية ثابتة “كل الأيام وإلى منتهى الدهر”، ولم يكتف بأن يقيم رسلاً وأنبياء ومبشرين فقط، بل أيضاً رعاةً ومعلّمين (أفسس 4: 11) “وَهُوَ أَعْطَى الْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلًا، وَالْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ، وَالْبَعْضَ مُبَشِّرِينَ، وَالْبَعْضَ رُعَاةً وَمعلّمين” ونرى الرّب يسوع المسيح بعد أن ألبس تلاميذه هذه القوة الإلهية، أمر أمراً صريحاً واجب الطاعة ومقروناً بتهديدات مخيفة ضدّ كل من يعصيه من المؤمنين وجميع المسيحيين في قبول تعاليم الرسل التي يعلّمونها والأسرار التي يقيمونها، فعليهم أن يكونوا خاضعين لصوتهم خضوع الرعيّة للراعي “اَلَّذِي يَسْمَعُ مِنْكُمْ يَسْمَعُ مِنِّي، وَالَّذِي يُرْذِلُكُمْ يُرْذِلُنِي، وَالَّذِي يُرْذِلُنِي يُرْذِلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي».” (لو 10: 16)، “وَقَالَ لَهُمُ: «اذْهَبُوا إلى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا، مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ” (مرقس 15:16-16) “”وَمَنْ لاَ يَقْبَلُكُمْ وَلاَ يَسْمَعُ كَلاَمَكُمْ فَاخْرُجُوا خَارِجًا مِنْ ذلِكَ الْبَيْتِ أَوْ مِنْ تِلْكَ الْمَدِينَةِ، وَانْفُضُوا غُبَارَ أَرْجُلِكُمْ، “اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: سَتَكُونُ لأَرْضِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ يَوْمَ الدِّينِ حَالَةٌ أَكْثَرُ احْتِمَالًا مِمَّا لِتِلْكَ الْمَدِينَةِ.” (متى 14:10-15).
وهذه الآيات قيلت فقط للرسل وقد ميّزهم الرّب في هذه الخدمة عن باقي البشر.
وبعد صعود الرّب إلى السماء نرى كيف أن متياس انتُخِب ليس بحسب استحسان المؤمنين بل فقط بإلهام من الرّب، وما فعله الرسل لم يكن سوى أن ألقوا القرعة فوقعت على متياس فأحصي مع الرسل الأحد عشر “وَصَلَّوْا قَائِلِينَ: «أَيُّهَا الرّب الْعَارِفُ قُلُوبَ الْجَمِيعِ، عَيِّنْ أَنْتَ مِنْ هذَيْنِ الاثْنَيْنِ أَيًّا اخْتَرْتَهُ، “لِيَأْخُذَ قُرْعَةَ هذِهِ الْخِدْمَةِ وَالرِّسَالَةِ الَّتِي تَعَدَّاهَا يَهُوذَا لِيَذْهَبَ إلى مَكَانِهِ»” (أع 1: 24 – 25)، “وَبَيْنَمَا هُمْ يَخْدِمُونَ الرّب وَيَصُومُونَ، قَالَ الرّوح الْقُدُسُ: «أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ الَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ» “فَصَامُوا حِينَئِذٍ وَصَلُّوا وَوَضَعُوا عَلَيْهِمَا الأَيَادِيَ، ثُمَّ أَطْلَقُوهُمَا.” (اعمال2:13-3)، ووضع الأيادي هنا هي إجراءات السيامة المقدّسة، والأشخاص الذين قاموا بهذه الإجراءات هم الرسل المخولون بذلك، كما وأقام الرسل في الكنائس كهنة وأساقفة حسبما كانت تدعو له الضرورة، اعمال (23:14) و (28:20)، وكل ما كان ينطبق على بولس وبرنابا كان ينطبق على باقي الرسل وهذه السلطة كانت تنتقل من المسيح عبر الرسل إلى الأساقفة بواسطة وضع الأيادي تيطس (5:1)” مِنْ أَجْلِ هذَا تَرَكْتُكَ فِي كِرِيتَ لِكَيْ تُكَمِّلَ تَرْتِيبَ الأُمُورِ النَّاقِصَةِ، وَتُقِيمَ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ شُيُوخًا كَمَا أَوْصَيْتُكَ” و أعمال (28:20) ” “اِحْتَرِزُوا إِذًا لأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ الرعيّة الَّتِي أَقَامَكُمُ الرّوح الْقُدُسُ فِيهَا أساقفة، لِتَرْعَوْا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ.” إذاً، نرى أن هذه الآيات قد قيلت للرسل دون غيرهم، وأن هذه الخدمة الكهنوتية تعطى من الرّوح القدس نفسه، وهي من أجل التعليم وخدمة الأسرار الإلهية ورعاية خراف قطيع يسوع المسيح.
(1 تيموثاوس 6: 20) “يَا تِيمُوثَاوُسُ، احْفَظِ الْوَدِيعَةَ، مُعْرِضًا عَنِ الْكَلاَمِ الْبَاطِلِ الدَّنِسِ، وَمُخَالَفَاتِ الْعِلْمِ الْكَاذِبِ الاسْمِ”.
(2 تيموثاوس 1: 6- 7) “فَلِهذَا السَّبَبِ أُذَكِّرُكَ أَنْ تُضْرِمَ أَيْضًا مَوْهِبَةَ اللهِ الَّتِي فِيكَ بِوَضْعِ يَدَيَّ، لأَنَّ اللهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَلِ، بَلْ رُوحَ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالنُّصْحِ”.
(2 تيموثاوس 2: 1- 2) “فَتَقَوَّ أَنْتَ يَا ابْنِي بِالنِّعْمَةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، “وَمَا سَمِعْتَهُ مِنِّي بِشُهُودٍ كَثِيرِينَ، أَوْدِعْهُ أُنَاسًا أُمَنَاءَ، يَكُونُونَ أكِفّاء أَنْ يُعَلِّمُوا آخَرِينَ أَيْضًا.” وهنا يشدد على التسلسل الكهنوتي في أن يقيم معلّمين أكفّاء.
وأما بمسؤولية التعليم (1كور 2: 10- 12) “فَأَعْلَنَهُ اللهُ لَنَا نَحْنُ بِرُوحِهِ. لأَنَّ الرّوح يَفْحَصُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَعْمَاقَ اللهِ، “لأَنْ مَنْ مِنَ النَّاسِ يَعْرِفُ أُمُورَ الإِنْسَانِ إِلاَّ رُوحُ الإِنْسَانِ الَّذِي فِيهِ؟ هكَذَا أَيْضًا أُمُورُ اللهِ لاَ يَعْرِفُهَا أَحَدٌ إِلاَّ رُوحُ اللهِ، وَنَحْنُ لَمْ نَأْخُذْ رُوحَ الْعَالَمِ، بَلِ الرّوح الَّذِي مِنَ اللهِ، لِنَعْرِفَ الأَشْيَاءَ الْمَوْهَوبَةَ لَنَا مِنَ اللهِ،”
وآية (1 كو 2: 16)”«لأنه مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرّب فَيُعَلِّمَهُ؟» وَأَمَّا نَحْنُ فَلَنَا فِكْرُ الْمَسِيحِ.” وهنا يتكلم بولس الرسول عن روح الرّب التي اقتنيت بواسطة السيامة ليعلِّموا العالم أجمع، كما ونرى أن الرسل قد مَنَعوا أي شخص لم يُرسم في سلك الكهنوت من الخدمة الكهنوتية أو اغتصابها كما قال “وَكَيْفَ يَكْرِزُونَ إِنْ لَمْ يُرْسَلُوا؟ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «مَا أَجْمَلَ أَقْدَامَ الْمُبَشِّرِينَ بِالسَّلاَمِ، الْمُبَشِّرِينَ بِالْخَيْرَاتِ».” (رو 10: 15)
“أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ رُسُلٌ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ أَنْبِيَاءُ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ مُعَلِّمُونَ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ أَصْحَابُ قُوَّاتٍ؟” (1 كو 12: 29) “وَلاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ هذِهِ الْوَظِيفَةَ بِنَفْسِهِ، بَلِ الْمَدْعُوُّ مِنَ اللهِ، كَمَا هَارُونُ أَيْضًا، كَذلِكَ الْمَسِيحُ أَيْضًا لَمْ يُمَجِّدْ نَفْسَهُ لِيَصِيرَ رَئِيسَ كَهَنَةٍ، بَلِ الَّذِي قَالَ لَهُ: «أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ».” (عبرانيين 5: 4 – 5)، ونجد نقطة أخرى وهي أن الرسل يوجهون النصائح للمؤمنين “أَطِيعُوا مُرْشِدِيكُمْ وَاخْضَعُوا، لأنهمْ يَسْهَرُونَ لأَجْلِ نُفُوسِكُمْ كَأَنَّهُمْ سَوْفَ يُعْطُونَ حِسَابًا، لِكَيْ يَفْعَلُوا ذلِكَ بِفَرَحٍ، لاَ آنِّينَ، لأَنَّ هذَا غَيْرُ نَافِعٍ لَكُمْ.” (عبرانيين 13: 17).
“ثُمَّ نَسْأَلُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَعْرِفُوا الَّذِينَ يَتْعَبُونَ بَيْنَكُمْ وَيُدَبِّرُونَكُمْ فِي الرّب وَيُنْذِرُونَكُمْ، وَأَنْ تَعْتَبِرُوهُمْ كَثِيرًا جِدًّا فِي الْمَحَبَّةِ مِنْ أَجْلِ عَمَلِهِمْ. سَالِمُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا” (1 تس 5: 12 – 13).
ونرغب الآن بأن نذكر بعض الآباء القديسين الذين عاشوا في بداية القرن الثاني الميلادي والذين تكلموا عن سر الكهنوت، مثل القديس اكليمنضس أسقف روما، والقديس أغناطيوس المتوشح بالله في رسالته إلى أهل مغينسيا والقديسين إيرينيوس والقديس كبريانوس وأوسابيوس وغريغوريوس اللاهوتي والذهبي الفم، هؤلاء وغيرهم عندما كانوا يتكلمون عن سر الكهنوت، كانوا ينسبون كهنوتهم لكهنوت الرّب يسوع المسيح نفسه، مثلاً يقول القديس كليمنضس “إذ قد أخذ الرسل معرفه كاملة بما سيكون بعدهم أقاموا الذين سبق ذكرهم أي الأساقفة والشمامسة وفي ذات الوقت حددوا الخلافة حتى كلما رقد أحدٌ معهم يخلفه في الخدمة رجال آخرون مختبرون” رسالته إلى مغنيسيا (44:1) في كتاب الآباء الرسوليين، والقديس اغناطيوس المتوشح بالله يقول “إن الأساقفة قد أقيموا في جميع أماكن الأرض بحسب مشيئة يسوع المسيح، رسالته إلى أفسس(3)، والقديس ايريناوس يقول: “أنه يمكننا أن نذكر الذين أقامهم الرسل أساقفة في الكنائس وخلفاءهم ايضاً بأسمائهم إلى أيامنا الحاضرة، هؤلاء لم يعلّموا شيئاً مما يقوله الهراطقة كون أن الرسل قد عرفوا الأسرار بكاملها وكانوا يظهرونها للكاملين وحدهم، وهؤلاء سلموا هذه التعاليم للأساقفة الذين سلموها للكاملين بعدهم” ضد الهراطقة(3:3)، نرى أن التسلسل الكهنوتي يذكر، وما زال، الأساقفة في كل مدينة، فهم يعرفون أسماء الأساقفة كل من مدينته من أيام الرسل، ويقول القديس كبريانوس “نحن خلفاء الرسل ومدبرو كنيسة الله بقوتهم عينها” أعمال مجمع قرطاجة، ويقول أيضاً إن سلطان حل الخطأة قد أُعطي للرسل وللكنائس التي هم أسسوها إذ أُرسلوا من الله وللأساقفة الذين خلفوهم بحسب ترتيب النيابة” رسالته (25) والقديس أمبروسيوس يقول إن الأسقف يقوم مقام شخص يسوع المسيح وهو نائب الرّب، في شرح رسالة كورنثوس. وإيرونيموس يقول” إن الأساقفة يقومون عندنا مقام الرسل” رسالة (27) ماركلس.
ومما سبق فإننا نعلم أن الكنيسة تتألف من الرعاة والرعيّة، أو بمعنى آخر تتكون من الرعاة والكنيسة المرؤوسة التي هي الرعيّة، وبالتالي فإنه لا وجود لرعية دون أن تكون مرؤوسة من كهنوت منظّم بحسب الأمر الإلهي، ومتسلسل بدايةً من المسيح وعبر الرسل لأن الرّب هو نفسه الذي أقام سر الكهنوت في كنيسته، وبحسب إرادته أعطى الرعاة وحدهم الحق بأن يعلِّموا الناس الديانة وأن يقدِّسوهم بالأسرار ويحفظوهم في دائرة التسلسل الكهنوتي، وعليه فإن الشعب بدون الرعاة المقامين فيهم قانونياً يكونون بلا تقديس، والقديس اغناطيوس يقول: “بدون الأساقفة والكهنة والشمامسة ليست كنيسة” رسالته إلى التيراليين 30.
وترتليانوس يقول: “بدون الاسقف ليست كنيسة”، والقديس كبريانوس يقول: “إن الشعب المتّحد مع الكاهن والقطيع الخاضع لراعيه يشكِّل الكنيسة، ولهذا يجب أن يعلموا أن كينونة الأسقف تكمن بالكنيسة وكينونة الكنيسة تصير بالأسقف ومن لم يكن مشتركاً مع الأسقف فهو ليس في الكنيسة البتة”. رسالته 69: 8.
ولذلك كل جماعة رفضت الطاعة لأسقفها ولكهنتها واقامت الخدم الإلهية من دونهم تعتبر بحسب الآباء القديسين غير مستحقة لهذا الاسم (كنيسة) وتُلقب حينها بـِ هرطوقية.
وقد حاربت الكنيسة الأولى الهراطقة بعدة وسائل منها: نشر أسماء الأساقفة وتسلسلهم الرسولي، وإعلان دساتير إيمانية تحذر المؤمنين من الابتعاد عنها. وهنا نرى المؤرخ الكنسي يوسابيوس القيصري في الكتاب الرابع الفصل الخامس يقول:
- لم أجد في أي مكان قائمة مكتوبة بأسماء أساقفة أورشليم لأن الروايات المتواترة تقول بأنهم جميعاً لم يعمّروا طويلاً.
- ولكني علمت من بعض الكتب أنه إلى وقت حصاد اليهود الذي تم في عهد ادريانوس تولى الأسقفية فيها خمسة عشر أسقفاً بالتتابع وقيل إنهم كانوا من أصل عبراني وانهم قبلوا معرفة المسيح نفسه، ولذلك أعترف بهم من كان في قدرتهم الحكم على هذه الأمور، وحُسبوا جديرين بمركز الأسقفية لأن كنيستهم بأكملها كانت تتكون وقتئذ من مؤمني العبرانيين الذي ظلّوا من أيام الرسل حتى الحصاد الذي حدث في هذا الوقت والذي غلب فيه اليهود بعد أحداث قاسية، إذ كانوا قد تمردوا ثانية على الرومانيين.
- ولكن أساقفة الختان لم يعُد لهم وجود منذ ذلك الوقت فمن المناسب هنا أن نقدِّم قائمة بأسمائهم منذ البداية.
الأول يعقوب الملقب أخو الرّب، الثاني سمعان والثالث يسطس، الرابع زكا والخامس طوبيا والسادس بنيامين، السابع يوحنا والثامن متياس والتاسع فيلبس، العاشر سينكا الحادي عشر يسطس الثاني عشر لاوي الثالث عشر أفريس الرابع عشر يوسف وأخيراً الخامس عشر يهوذا.
- هؤلاء هم أساقفة أورشليم الذي عاشوا بين عصر الرسل والعصر المشار إليه وكلّهم كانوا من أهل الختان.
- وفي السنة الثانية عشر من حكم أدريانوس إذ كان زيستوس قد أكمل عشرة سنوات على الأسقفية خلفه نلسفروس وهو سابع أسقف بعد الرسل وبعد انقضاء سنة وبضعة أشهر أقيم أومانيوس.
يعترض البعض على وجود سر الكهنوت ويدّعون بأن الكهنوت هو لعامة الناس وأن كهنوت العهد القديم قد أبطِل بذبيحة المسيح على الصليب، ويدّعون بأن جميع الشعب هم كهنة ويستندون في ذلك على آيتين من العهد الجديد وهما:
- “وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ اقْتِنَاءٍ، لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إلى نُورِهِ الْعَجِيبِ.” (1 بط 2: 9) وهذه الآية بحسب تعليمهم تُظهر أن كل الشعب هم أيضاً كهنة ولا يوجد أية فئة منهم مميزة تحمل كهنوتاً خاصاً.
- “وَجَعَلَنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً للهِ أَبِيهِ، لَهُ الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إلى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ.” (رؤ 1: 6) إن هذه العبارات مأخوذة من العهد القديم خروج(6:19) ” “وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي مَمْلَكَةَ كَهَنَةٍ وَأُمَّةً مُقَدَّسَةً. هذِهِ هِيَ الْكَلِمَاتُ الَّتِي تُكَلِّمُ بِهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ».”
إن معنى (مملكة كهنة) أو كهنوت ملوكي تعني أن الرّب جعلنا ملوكاً وكهنة لله أبيه، وهذه تفهم روحياً أي أنه جعلنا ملوكاً في مملكته ونقدم ذبائح وقرابين التوبة والشكر لله حتى نتقدم روحياً ونصل إلى ملء قامة المسيح. وعندما نقرأ العهد القديم نرى أن الرّب قد وضع كهنة لخدمة تابوت العهد والهيكل وهم هارون والكهنة المعنيين والذين كان لهم وضع خاص في رسامتهم ولباسهم ومسحهم بالزيت المقدس، وكان الرّب يعاقب كل من يتعدى على هذا الكهنوت بالموت والنار كما حدث مع قورح وراثان وأبيرام “فَاجْتَمَعُوا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ وَقَالُوا لَهُمَا: «كَفَاكُمَا! إِنَّ كُلَّ الْجَمَاعَةِ بِأَسْرِهَا مُقَدَّسَةٌ وَفِي وَسَطِهَا الرّب. فَمَا بَالُكُمَا تَرْتَفِعَانِ عَلَى جَمَاعَةِ الرّب؟»” (عد 16: 3)، وهؤلاء رفضوا كهنوت هارون كاهن الله العلي الذي أفرز هو وجماعته لخدمة مسكن الرّب عدد (9:16) “أقليل عليكم أن إله إسرائيل أفرزكم من جماعة إسرائيل ليقربكم إليه لكي تعملوا خدمة مسكن الرّب، وتقفوا قدام الجماعة لخدمتها” ونرى أن الرّب بعد أن أعلن روحياً أن جميع الشعب هم كهنة وملوك وهذا يحمل المعنى الرّوحي في العلاقة مع الله كيف أنه فرز هارون والكهنة لخدمة تابوت العهد والذبائح والشعب في العبادة وأهلك بالموت جميع الذين تعدوا على هذا الكهنوت العظيم (سفر العدد 16: 32 – 33) وَفَتَحَتِ الأَرْضُ فَاهَا وَابْتَلَعَتْهُمْ وَبُيُوتَهُمْ وَكُلَّ مَنْ كَانَ لِقُورَحَ مَعَ كُلِّ الأَمْوَالِ، فَنَزَلُوا هُمْ وَكُلُّ مَا كَانَ لَهُمْ أَحْيَاءً إلى الْهَاوِيَةِ، وَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمِ الأَرْضُ، فَبَادُوا مِنْ بَيْنِ الْجَمَاعَةِ”
والنقطة الثانية إن كلمة ملوك وكهنة وردتا معاً، فهل يعقل أن نفهم الأولى رمزياً والثانية حرفياً؟ هل جميع الناس هم ملوك ولا يوجد أي شخص يسمى ملكاً بشكل خاص ويحكم ويحاسب ويحارب؟ وهل نحن جميعاً كهنة نقيم الاسرار ونقدس ونعلّم دون رقيب وأنه لا يوجد أشخاص مفروزون لخدمة الله والشعب؟ وهل أصبحنا مثل قورح وداثان وأبيرام؟ وهل نستطيع أن نتعدى على كهنوت الرّب؟ وهل يحق للجميع أن يلبس التاج ويقف بجانب الملك ويقول له أنا مثلي مثلك في السلطة؟ إذن كما يوجد ملوك في الأرض مميزون في سلطتهم وهكذا أيضاً يوجد كهنة عندهم الكهنوت الخاص مميزين في سلطتهم التي كما أُعطيت لهم من الله في العهد القديم هكذا أيضاً في العهد الجديد لأننا نؤمن بكتاب واحد.
إذاً يوجد الكهنوت العام وهذا يحمل المعنى الرّوحي ويوجد الكهنوت الخاص الذي يفرز من بين الكهنوت العام لخدمة المذبح والتعليم وإدارة الشعب.
والكهنوت العام يعني أننا نقدم صلواتنا وذواتنا لله كما يقول المزمور “لِتَسْتَقِمْ صَلاَتِي كَالْبَخُورِ قُدَّامَكَ. لِيَكُنْ رَفْعُ يَدَيَّ كَذَبِيحَةٍ مَسَائِيَّةٍ.” (مز 141: 2) ” ويشرح المعنى الرّوحي لهذا الكهنوت العام بولس الرسول قائلاً: “فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ، عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ.” (رومية 12: 1) وهذه الذبيحة يستطيع أن يقدمها جميع المؤمنين (صلب الجسد مع الأهواء) (رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 5: 24) “وَلكِنَّ الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ”. وإننا في جهاداتنا وتقدمة ذواتنا للرب يقول بولس الرسول “حَامِلِينَ فِي الْجَسَدِ كُلَّ حِينٍ إِمَاتَةَ الرّب يَسُوعَ، لِكَيْ تُظْهَرَ حَيَاةُ يَسُوعَ أَيْضًا فِي جَسَدِنَا.” (2 كو 4: 10) أو أن نقرأ في عبرانين (عب 13: 15) “فَلْنُقَدِّمْ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ للهِ ذَبِيحَةَ التَّسْبِيحِ، أَيْ ثَمَرَ شِفَاهٍ مُعْتَرِفَةٍ بِاسْمِهِ.” او مزمور (مز 116: 17) “لك أذبح ذبيحة الحمد” “فَلَكَ أَذْبَحُ ذَبِيحَةَ حَمْدٍ، وَبِاسْمِ الرّب أَدْعُو.” أو قول بولس الرسول “وَلكِنْ لاَ تَنْسَوْا فِعْلَ الْخَيْرِ وَالتَّوْزِيعَ، لأنه بِذَبَائِحَ مِثْلِ هذِهِ يُسَرُّ اللهُ.” (عبرانيين 13: 16) ” وأيضا ” “وَلكِنِّي قَدِ اسْتَوْفَيْتُ كُلَّ شَيْءٍ وَاسْتَفْضَلْتُ. قَدِ امْتَلأْتُ إِذْ قَبِلْتُ مِنْ أَبَفْرُودِتُسَ الأَشْيَاءَ الَّتِي مِنْ عِنْدِكُمْ، نَسِيمَ رَائِحَةٍ طَيِّبَةٍ، ذَبِيحَةً مَقْبُولَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ.” (فيليبي 4: 18).
إذاً هذه التقدمات والذبائح كلّها من فعل الكهنوت العام وكافة الشعب، وهي ليست ضد الكهنوت الخاص بأن يُفرز بعض الأشخاص من جماعة المؤمنين لكي يكون عندهم الكهنوت الخاص في خدمة الأسرار المقدسة.
السؤال المطروح هو: عندما كان داود النبي في العهد القديم يرنم “لِتَسْتَقِمْ صَلاَتِي كَالْبَخُورِ قُدَّامَكَ. لِيَكُنْ رَفْعُ يَدَيَّ كَذَبِيحَةٍ مَسَائِيَّةٍ.” (مز 141: 2) رافعاً يديه إلى الرّب وعندما يقدم لله هكذا عبادة، هل كان داود النبي كاهناً؟ هل كان له سلطة ليقدم ذبيحة في الهيكل؟ هل كان يجرؤ على أن يحل محل أصغر كاهن من بني هارون؟
ولذلك يقول بولس الرسول عن سر الكهنوت “وَلاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ هذِهِ الْوَظِيفَةَ بِنَفْسِهِ، بَلِ الْمَدْعُوُّ مِنَ اللهِ، كَمَا هَارُونُ أَيْضًا.” (عب 5: 4) وفي العهد القديم نرى أيضاً شاول الملك الذي تجرأ أن يصعد المحرقة، صموئيل الأول (9:13) فكانت النتيجة أن الرّب رفضه وفارقه روح الرّب مع أنه كان ملكاً على شعب الله وكان ممسوحاً ويدعى مسيح الرّب إلاّ أنه لم يكن كاهناً، “فَقَالَ شَاوُلُ: «قَدِّمُوا إِلَيَّ الْمُحْرَقَةَ وَذَبَائِحَ السَّلاَمَةِ». فَأَصْعَدَ الْمُحْرَقَةَ.” (1 صم 13: 9)
صموئيل 10(11:10) “وَلَمَّا جَاءُوا إلى هُنَاكَ إلى جِبْعَةَ، إِذَا بِزُمْرَةٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ لَقِيَتْهُ، فَحَلَّ عَلَيْهِ رُوحُ اللهِ فَتَنَبَّأَ فِي وَسَطِهِمْ. وَلَمَّا رَآهُ جَمِيعُ الَّذِينَ عَرَفُوهُ مُنْذُ أَمْسِ وَمَا قَبْلَهُ أَنَّهُ يَتَنَبَّأُ مَعَ الأَنْبِيَاءِ، قَالَ الشَّعْبُ، الْوَاحِدُ لِصَاحِبِهِ: «مَاذَا صَارَ لابْنِ قَيْسٍ؟ أَشَاوُلُ أَيْضًا بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ؟»” وبالتالي بالرغم من كل ما كان عنده إلّا أنه لم يعطه الحق في تقدمة المحرقة.
وعُزِيّا الملك من أخبار الأيام (19:26-21) تجرأ ومسك حجره ليرفع بخوراً فكانت النتيجة أنه ضرب بالبرص ليوم وفاته. “فَحَنِقَ عُزِّيَّا. وَكَانَ فِي يَدِهِ مِجْمَرَةٌ لِلإِيقَادِ. وَعِنْدَ حَنَقِهِ عَلَى الْكَهَنَةِ خَرَجَ بَرَصٌ فِي جَبْهَتِهِ أَمَامَ الْكَهَنَةِ فِي بَيْتِ الرّب بِجَانِبِ مَذْبَحِ الْبَخُورِ، فَالْتَفَتَ نَحْوَهُ عَزَرْيَا هُو الْكَاهِنُ الرَّأْسُ وَكُلُّ الْكَهَنَةِ وَإِذَا هُوَ أَبْرَصُ فِي جَبْهَتِهِ، فَطَرَدُوهُ مِنْ هُنَاكَ حَتَّى إِنَّهُ هُوَ نَفْسُهُ بَادَرَ إلى الْخُرُوجِ لأَنَّ الرّب ضَرَبَهُ “وَكَانَ عُزِّيَّا الْمَلِكُ أَبْرَصَ إلى يَوْمِ وَفَاتِهِ، وَأَقَامَ فِي بَيْتِ الْمَرَضِ أَبْرَصَ لأنه قُطِعَ مِنْ بَيْتِ الرّب، وَكَانَ يُوثَامُ ابْنُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَلِكِ يَحْكُمُ عَلَى شَعْبِ الأَرْضِ.” قد يقول البعض أن كهنوت العهد القديم قد انتهى، نعم ولكن في العهد الجديد أعطى الرّب يسوع المسيح الكهنوت معنى جديداً لأن ذبائح التيوس والحيوانات قد انتهت بذبيحة المسيح على الصليب وأصبحت لنا ذبيحة واحدة ولكن خدمة هذه الذبيحة والعهد الجديد قد رتبها الرّب كدستور لاحقاً.
وبولس الرسول يُقر بأنه كاهن في كنيسة الله، فهل خدمة الكهنوت في العهد الجديد قد انتهت؟
“وَلكِنْ بِأَكْثَرِ جَسَارَةٍ كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ جُزْئِيًّا أَيُّهَا الإِخْوَةُ، كَمُذَكِّرٍ لَكُمْ، بِسَبَبِ النِّعْمَةِ الَّتِي وُهِبَتْ لِي مِنَ اللهِ، حَتَّى أَكُونَ خَادِمًا لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لأَجْلِ الأُمَمِ، مُبَاشِرًا لإِنْجِيلِ اللهِ كَكَاهِنٍ، لِيَكُونَ قُرْبَانُ الأُمَمِ مَقْبُولًا مُقَدَّسًا بِالرّوح الْقُدُسِ.” (رو 15: 15 – 16)
ولكن البعض يرفض أن يسمي بولس الرسول لأنه استخدم حرف (كاف التشبيه) في كلمة (ككاهن) ولكنها لم تُستخدم هنا للتشبيه وإنما لحقيقة كهنوت المسيح التي أعطيت له كنعمة ممثلاً بالآية: “وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا.” (يو 1: 14) فحرف الكاف هنا ليس للتشبيه وإنما للإعلان بأن المسيح هو الابن الوحيد للآب.
المسيح رئيس كهنة
“مِنْ ثَمَّ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْقِدِّيسُونَ، شُرَكَاءُ الدَّعْوَةِ السَّمَاوِيَّةِ، لاَحِظُوا رَسُولَ اعْتِرَافِنَا وَرَئِيسَ كَهَنَتِهِ الْمَسِيحَ يَسُوعَ،” (عب 3: 1) و(رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 5: 10) “مَدْعُوًّا مِنَ اللهِ رَئِيسَ كَهَنَةٍ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ.”
عندما يتكلم الكتاب المقدس بأن المسيح هو رئيس كهنة وليس كاهناً أي أنه هو رئيس كهنة لكهنته، وكهنته هم الرسل الذين وهبهم كهنوته ومن بعدهم السلالة الكهنوتية ليومنا الحاضر، فهو رئيس جميع كهنة الرّب “لأَنْ لَيْسَ لَنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ غَيْرُ قَادِرٍ أَنْ يَرْثِيَ لِضَعَفَاتِنَا، بَلْ مُجَرَّبٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُنَا، بِلاَ خَطِيَّةٍ.” (عبرانيين 4: 15)
وفي متى 21 (43:41) مَثَل الكرّامين الذين أخذ منهم السيد الكرم وطردهم وأعطى الكرم لكرامين جدد كي تعمل أثماره، من هم هؤلاء الكرّامون الجدد أليس هم كهنة العهد الجديد؟
التقدمة والعبادة في العهد القديم كانت تقام فقط في الهيكل أما في العهد الجديد فهذه التقدمات تقدم بين الأمم أيضاً وفي كل مكان لذلك يقول في (سفر ملاخي 1: 11) “لأنه مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ إلى مَغْرِبِهَا اسْمِي عَظِيمٌ بَيْنَ الأُمَمِ، وَفِي كُلِّ مَكَانٍ يُقَرَّبُ لاسْمِي بَخُورٌ وَتَقْدِمَةٌ طَاهِرَةٌ، لأَنَّ اسْمِي عَظِيمٌ بَيْنَ الأُمَمِ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ”، فهو ذا التقدمة والبخور والذبيحة الإلهية تقدم في كل بقاع الأرض، أليس ذلك هو كهنوت العهد الجديد؟
وفي أشعياء 66 (22:19) “وَأَجْعَلُ فِيهِمْ آيَةً، وَأُرْسِلُ مِنْهُمْ نَاجِينَ إلى الأُمَمِ، إلى تَرْشِيشَ وَفُولَ وَلُودَ النَّازِعِينَ فِي الْقَوْسِ، إلى تُوبَالَ وَيَاوَانَ، إلى الْجَزَائِرِ الْبَعِيدَةِ الَّتِي لَمْ تَسْمَعْ خَبَرِي وَلاَ رَأَتْ مَجْدِي، فَيُخْبِرُونَ بِمَجْدِي بَيْنَ الأُمَمِ، وَيُحْضِرُونَ كُلَّ إِخْوَتِكُمْ مِنْ كُلِّ الأُمَمِ، تَقْدِمَةً لِلرَّبِّ، عَلَى خَيْل وَبِمَرْكَبَاتٍ وَبِهَوَادِجَ وَبِغَال وَهُجُنٍ إلى جَبَلِ قُدْسِي أُورُشَلِيمَ، قَالَ الرّب، كَمَا يُحْضِرُ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَقْدِمَةً فِي إِنَاءٍ طَاهِرٍ إلى بَيْتِ الرّب.” ونحن نعلم أن العهد القديم لم يقبل كهنة من خارج سبط لاوي ولا تقدمات من الأمم ولكن هذه نبوة لكهنة العهد الجديد الذين يبشّرون الأمم ويجلبونهم إلى عبادة الله الحقيقي.
الكهنوت هو سرّ عظيم والكهنة يصبحون كهنة المذبح الإلهي وهذا يتم بدعوه من الله وباختياره، وهذا هو معنى كلمة (إكليروس) أي المختارين، ويصبح الإنسان كاهنا ليس فقط في الاختيار ولكن بدَهنه بالدُهن المقدس في العهد القديم وبوضع أيدي الأسقف والكلمات التي ينطقها في العهد الجديد. ونرى في الكتاب المقدس في العهد القديم دعوة الأبكار الذكور لكي يصبحوا نصيب الرّب وأنهم قدسٌ للرب “«قَدِّسْ لِي كُلَّ بِكْرٍ، كُلَّ فَاتِحِ رَحِمٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنَ النَّاسِ وَمِنَ الْبَهَائِمِ. إِنَّهُ لِي».” (خر 13: 2)
ونلاحظ أن الرّب لم يكتفِ باختيار هارون وبنيه وانما أمر موسى بأن يمسحهم بالدهن المقدس أمام كل الجماعة (لاويين 8) وخروج (1:40) و (15:12).
ونقرأ أيضاً أن الله كرّم وكيله موسى وبعد أن اختار هارون وبنيه ليكهنوا له لم يستطيعوا أن يقدموا أية تقدمة إلا بعد أن مررهم على وكيله موسى والأمين في كل بيته. “وَأَمَّا عَبْدِي مُوسَى فَلَيْسَ هكَذَا، بَلْ هُوَ أَمِينٌ فِي كُلِّ بَيْتِي.” (عد 12: 7) فقدسهم ومسحهم بالدهن المقدس فصارت لهم هذه المسحة كهنوتاً أبدياً.
إذاً لم يكن عامة الشعب كهنة وإنما يوجد تخصيص لفئة من الشعب لأن يقوموا بعمل الكهنوت ” ثم كلم قورح وجميع قومه قائلا: غدا يعلن الرّب من هو له، ومن المقدس حتى يقربه إليه. فالذي يختاره يقربه إليه” عدد(5:16)
في العهد الجديد
نرى في العهد الجديد إن الرّب يسوع المسيح هو الذي يختار رسله وهو الذي يدعوهم وهو الذي يرسلهم ويميزهم عن باقي الجموع.
(إنجيل متى 10: 1) “ثُمَّ دَعَا تَلاَمِيذَهُ الاثْنَيْ عَشَرَ وَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا عَلَى أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ حَتَّى يُخْرِجُوهَا، وَيَشْفُوا كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضُعْفٍ”، و(مت 10: 5) “هؤُلاَءِ الاثْنَا عَشَرَ أَرْسَلَهُمْ يَسُوعُ وَأَوْصَاهُمْ قَائِلًا: «إلى طَرِيقِ أُمَمٍ لاَ تَمْضُوا، وَإلى مَدِينَةٍ لِلسَّامِرِيِّينَ لاَ تَدْخُلُوا.” ، وفي لوقا (9: 1 – 2)”وَدَعَا تَلاَمِيذَهُ الاثْنَيْ عَشَرَ، وَأَعْطَاهُمْ قُوَّةً وَسُلْطَانًا عَلَى جَمِيعِ الشَّيَاطِينِ وَشِفَاءِ أَمْرَاضٍ، وَأَرْسَلَهُمْ لِيَكْرِزُوا بِمَلَكُوتِ اللهِ وَيَشْفُوا الْمَرْضَى.” ثم في (إنجيل لوقا 10: 1) “وَبَعْدَ ذلِكَ عَيَّنَ الرّب سَبْعِينَ آخَرِينَ أَيْضًا، وَأَرْسَلَهُمُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ أَمَامَ وَجْهِهِ إلى كُلِّ مَدِينَةٍ وَمَوْضِعٍ حَيْثُ كَانَ هُوَ مُزْمِعًا أَنْ يَأْتِيَ”، أيضاً قال الرّب عن هذه الإرسالية في (يوحنا 20: 21) “فقال لهم يسوع أيضاً: سلام لكم كما أرسلني الآب أرسلكم أنا” وفي ،” (يو 17: 18) “كَمَا أَرْسَلْتَنِي إلى الْعَالَمِ أَرْسَلْتُهُمْ أَنَا إلى الْعَالَمِ” وقال أيضاً: “فَاطْلُبُوا مِنْ رَبِّ الْحَصَادِ أَنْ يُرْسِلَ فَعَلَةً إلى حَصَادِهِ».” (متى 9: 38)، هذا عن الإرسال.
أما عن الاختيار فقال الرّب “لَيْسَ أَنْتُمُ اخْتَرْتُمُونِي بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ، وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوا وَتَأْتُوا بِثَمَرٍ، وَيَدُومَ ثَمَرُكُمْ، لِكَيْ يُعْطِيَكُمُ الآبُ كُلَّ مَا طَلَبْتُمْ بِاسْمِي.” (يو 15: 16) ونرى الرّب بعد العنصرة يرسلهم لكي يكونوا شهوداً له إلى كل العالم. “لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرّوح الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإلى أَقْصَى الأَرْضِ».” (أع 1: 8) “وَقَالَ لَهُمُ: «اذْهَبُوا إلى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا.” (مر 16: 15) ” وهذه قيلت للرسل دون سواهم.
إذاً المسيح هو الذي يختار وهو الذي أرسل الرسل وهذه النعمة الكهنوتية كانت للرسل وخلفائهم لأن الكنيسة هي جسد المسيح وهو الذي يديرها ويقدسها، لذلك يقول لبولس الرسول في أعمال الرسل “اِحْتَرِزُوا إِذًا لأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ الرعيّة الَّتِي أَقَامَكُمُ الرّوح الْقُدُسُ فِيهَا أساقفة، لِتَرْعَوْا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ.” (أع 20: 28)
سر الكهنوت يعطى بوضع أيدي الرسل، وبالتالي فالكنيسة تُعتبر كأنها القناة الشرعية التي يمر بها خدام الرعيّة، ونقرأ في أعمال الرسل “اَلَّذِينَ أَقَامُوهُمْ أَمَامَ الرُّسُلِ، فَصَلُّوا وَوَضَعُوا عَلَيْهِمِ الأَيَادِيَ.” (أع 6: 6)
إذاً وُضِع الشمامسة المختارون أمام الرسل وقام الرسل بدورهم بوضع أياديهم عليهم مع الصلاة، فالذين وضعوا الأيادي لم يكونوا من عامة الشعب وإنما الرسل أنفسهم وبالتالي فإن إرسال الرسل والتلاميذ والأساقفة والكهنة والشمامسة لم يتم بطريقة عشوائية وإنما تم باختيار الله ملحقاً بوضع أيدي الرسل مع الصلاة ومن ثم تم إرسال المزمعين أن يبشروا، وهذا ما يقوله بولس الرسول إلى روميه(15:10) “وَكَيْفَ يَكْرِزُونَ إِنْ لَمْ يُرْسَلُوا؟ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «مَا أَجْمَلَ أَقْدَامَ الْمُبَشِّرِينَ بِالسَّلاَمِ، الْمُبَشِّرِينَ بِالْخَيْرَاتِ».” إذاً كان من الواجب أن يرسلوا من قبل من لهم سلطان وهذا السلطان أُعطي من المسيح للرسل ومن الرسل لخلفائهم، وهذا واضح من قول الرّب “كما أرسلني الأب أٌرسلكم أنا” يو (21:20) وهذه قيلت للرسل فقط.
ونرى بولس الرسول الذي كان رجلاً طرسوسياً وهو الإناء المختار الذي حمل إسم المسيح أمام الملوك والولاة أع (15:9) وهو الذي دعاه الله وهو من بطن أمه ” “وَلكِنْ لَمَّا سَرَّ اللهَ الَّذِي أَفْرَزَنِي مِنْ بَطْنِ أُمِّي، وَدَعَانِي بِنِعْمَتِهِ، “أَنْ يُعْلِنَ ابْنَهُ فِيَّ لأُبَشِّرَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، لِلْوَقْتِ لَمْ أَسْتَشِرْ لَحْمًا وَدَمًا،” (غلاطية 1: 15 – 16).
وظهر الرّب مباشرة لبولس، ومن ثم اعتمد على يدي حنانيا في دمشق ولكن عندما أتت الساعة كي يصبح إكليركياً ليرسَل للبشارة “قال الرّوح القدس إفرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه فصاموا وصلوا ووضعوا عليهما الأيادي قم أطلقوهما” أعمال 13(3:2)، وبالتالي الرّب يأمر والأساقفة تفرز، والأسقف يضع اليد لأن الأساقفة والرسل هم وكلاء سرائر الله اكو(1:4) والوكيل له الحق والسلطة الكاملة لموكله في كل شيء.
ونرى هذا التسلسل بوضع اليد للرسامة عبر بولس الرسول ليمررها إلى تلميذه تيموثاوس (2ثيمو (6:1)) ويرشده بعدم وضع اليد بالعجلة “لاَ تَضَعْ يَدًا عَلَى أَحَدٍ بِالْعَجَلَةِ، وَلاَ تَشْتَرِكْ فِي خَطَايَا الآخَرِينَ. اِحْفَظْ نَفْسَكَ طَاهِرًا.” (1 تي 5: 22).
قد يكون هناك عدم فهم صحيح للآية (غلاطيه 28:3) “لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.” قد يدعي البعض أن الجميع متساوون في كل شيء ولذلك يعتبرون الجميع كهنة، هذه الآية قيلت عن التبني حيث أنه في لحظة المعمودية أصبحنا جميعاً أبناء متساوين أمام الله في كل شيء، لكننا نرى بولس الرسول يدعو أنوسيموس إلى طاعة فيليمون والعبيد إلى طاعة أسيادهم.
كما ويدّعي البعض من نبؤة يؤئيل “« وَيَكُونُ بَعْدَ ذلِكَ أَنِّي أَسْكُبُ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ، فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ، وَيَحْلَمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاَمًا، وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤًى، وَعَلَى الْعَبِيدِ أَيْضًا وَعَلَى الإِمَاءِ أَسْكُبُ رُوحِي فِي تِلْكَ الأَيَّامِ” (يوء 2: 28) ” هذه الآية تدل على الحالة الرّوحية التي سيصل اليها الإنسان المؤمن وبالتالي يصبح متقبلاً للمواهب المتعددة والمتنوعة للروح القدس ولكن الكهنوت بالذات ليس للكل، وحتى الكل ليسوا متساويين في المواهب كما يشرح بولس الرسول (1كور7 – 12) “ولكنه لكل واحد يعطى إظهار الرّوح للمنفعة، فإنه لواحد يعطى بالرّوح كلام حكمة، ولآخر كلام علم بحسب الرّوح الواحد، ولآخر إيمان بالرّوح الواحد، ولآخر مواهب شفاء بالرّوح الواحد، ولآخر عمل قوات، ولآخر نبوة، ولآخر تمييز الأرواح، ولآخر أنواع ألسنة، ولآخر ترجمة ألسنة، ولكن هذه كلها يعملها الرّوح الواحد بعينه، قاسما لكل واحد بمفرده، كما يشاء، لأنه كما أن الجسد هو واحد وله أعضاء كثيرة، وكل أعضاء الجسد الواحد إذا كانت كثيرة هي جسد واحد، كذلك المسيح أيضا”، وفي 1كور12(30:29) أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ رُسُلٌ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ أَنْبِيَاءُ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ مُعَلِّمُونَ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ أَصْحَابُ قُوَّاتٍ؟ أَلَعَلَّ لِلْجَمِيعِ مَوَاهِبَ شِفَاءٍ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ يُتَرْجِمُونَ؟”
وفي أفسس4(12:11) “وَهُوَ أَعْطَى الْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلًا، وَالْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ، وَالْبَعْضَ مُبَشِّرِينَ، وَالْبَعْضَ رُعَاةً وَمعلّمين، لأَجْلِ تَكْمِيلِ الْقِدِّيسِينَ لِعَمَلِ الْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيحِ،”. إذاً يختار الله الأشخاص ويعطي لكلّ منهم نعمة لعمل شيء مميز لخدمة الكنيسة.
أما الكهنوت فنقرأ في متى(1:10) “ثُمَّ دَعَا تَلاَمِيذَهُ الاثْنَيْ عَشَرَ وَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا عَلَى أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ حَتَّى يُخْرِجُوهَا، وَيَشْفُوا كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضُعْفٍ”، إذاً سر الكهنوت هو من الرّب نفسه وهو الذي يعطي هذا السلطان ونرى الرّب يعطي هذا السلطان فقط للرسل دون غيرهم، ونرى أن الرّب بهذا السلطان أيضاً أعطى الرسل سلطة مغفرة الخطايا.”الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً في السماء ” متى(18:18) ، وبعد قيامته ثبّت هذا السلطان قائلاً “نفخ في وجوهم وقال لهم إقبلوا الرّوح القدس من غفرتم خطاياه تغفر لهُ ومن أمسكتم خطاياه أمسكت. (يوحنا 20:20)، وأعطاهم سلطان إقامة سر الشكر الإلهي عندما قال لهم وليس لكافة الشعب: ” “وَأَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلًا: «هذَا هُوَ جَسَدِي الَّذِي يُبْذَلُ عَنْكُمْ. اِصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي».” (لو 22: 19).
إذاً إقامة الأسرار أو العمل التقديسي في الكنيسة أوكله الله للرسل والأساقفة والكهنة إلى يومنا الحاضر كما قال بولس الرسول إلى تلميذه تيطس “مِنْ أَجْلِ هذَا تَرَكْتُكَ فِي كِرِيتَ لِكَيْ تُكَمِّلَ تَرْتِيبَ الأُمُورِ النَّاقِصَةِ، وَتُقِيمَ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ شُيُوخًا كَمَا أَوْصَيْتُكَ” تيطس(5:1).
السؤال المطروح هل يستطيع أي شخص أن يضع يديه ويحل الرّوح القدس؟ إن هذا غير وارد إذ نرى في أعمال (6:19) أن الشعب المؤمن لم يأخذ الرّوح القدس إلاّ عندما وضع بولس يديه عليهم فحل عليهم الرّوح القدس وفي (يو 2(20- 27)) وهذا الحلول يسمى بالمسحة وتعطى بوضع أيدي الرسل وهي تعلمنا كل شيء ” وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَكُمْ مَسْحَةٌ مِنَ الْقُدُّوسِ وَتَعْلَمُونَ كُلَّ شَيْءٍ “، ونرى سيمون الساحر يقدم المال للرسل لكي ينال هذه الموهبة وبالتالي رفضه الرسل ” “وَلَمَّا رَأَى سِيمُونُ أَنَّهُ بِوَضْعِ أَيْدِي الرُّسُلِ يُعْطَى الرّوح الْقُدُسُ قَدَّمَ لَهُمَا دَرَاهِمَ” ( أعمال 18:8)
ولذلك يدعونا الكتاب المقدس أن نحترم الأساقفة ورجال الإكليروس ” “أَطِيعُوا مُرْشِدِيكُمْ وَاخْضَعُوا، لأنهمْ يَسْهَرُونَ لأَجْلِ نُفُوسِكُمْ كَأَنَّهُمْ سَوْفَ يُعْطُونَ حِسَابًا، لِكَيْ يَفْعَلُوا ذلِكَ بِفَرَحٍ، لاَ آنِّينَ، لأَنَّ هذَا غَيْرُ نَافِعٍ لَكُمْ.” (عبرانيين 13: 17) ” وفي (1 تس 5: 12) “ثُمَّ نَسْأَلُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَعْرِفُوا الَّذِينَ يَتْعَبُونَ بَيْنَكُمْ وَيُدَبِّرُونَكُمْ فِي الرّب وَيُنْذِرُونَكُمْ،”.
وظائف وألقاب الأكليروس
وكلاء، سفراء، ملائكة، رعاة، آباء، معلمون، مرشدون، مدبرون، كهنة.
وكلاء
رجال الإكليروس يسميهم الكتاب المقدس وكلاء في (لو 24:12) “فَقَالَ الرّب: «مَنْ هُوَ إِذَنِ الْوَكِيلُ الأَمِينُ الْعَاقِلُ الَّذِي يُقِيمُهُ سَيِّدُهُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ لِيُقَدِّمَ لَهُمْ حِصَّتَهُمْ مِنَ الطَّعَامِ فِي حِينِهَا؟” لما قال له بطرس: ” «يَا رَبُّ، أَلَنَا تَقُولُ هذَا الْمَثَلَ أَمْ لِلْجَمِيعِ أَيْضًا؟»”… (لو 12: 41-50) حينها أجابه الرّب: “فَقَالَ الرّب: «فَمَنْ هُوَ الْوَكِيلُ الأَمِينُ الْحَكِيمُ الَّذِي يُقِيمُهُ سَيِّدُهُ عَلَى خَدَمِهِ لِيُعْطِيَهُمُ الْعُلُوفَةَ فِي حِينِهَا؟ فليس الجميع وكلاء ولكن الجميع عبيد لله ولكن وضع الرّب أن يكون البعض وكلاء على باقي العبيد”.
فالوكلاء ليسوا فقط الرسل وإنما خلفاؤهم أيضاً كما يقول بولس الرسول في (1كور4 (2:1) “هكَذَا فَلْيَحْسِبْنَا الإِنْسَانُ كَخُدَّامِ الْمَسِيحِ، وَوُكَلاَءِ سَرَائِرِ اللهِ،” (1 كو 4: 1)، وكلمة سرائر الله أي الأسرار الكنائسية، هذه من ناحية والوكيل هو الذي يقيم الأسرار الكنائسية (1كور 4(2:1)، وايضاً هو المعلم والمبشر وعليه هذه المسؤولية كما يقول بولس الرسول ” “لأنه إِنْ كُنْتُ أُبَشِّرُ فَلَيْسَ لِي فَخْرٌ، إِذِ الضَّرُورَةُ مَوْضُوعَةٌ عَلَيَّ، فَوَيْلٌ لِي إِنْ كُنْتُ لاَ أُبَشِّرُ، “فَإِنَّهُ إِنْ كُنْتُ أَفْعَلُ هذَا طَوْعًا فَلِي أَجْرٌ، وَلكِنْ إِنْ كَانَ كَرْهًا فَقَدِ اسْتُؤْمِنْتُ عَلَى وَكَالَةٍ” (1 كو 9: 16 -17).
والذي يعطي الوكالة هو نفسه الذي يُرسل للكرازة ” “فَكَيْفَ يَدْعُونَ بِمَنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ؟ وَكَيْفَ يُؤْمِنُونَ بِمَنْ لَمْ يَسْمَعُوا بِهِ؟ وَكَيْفَ يَسْمَعُونَ بِلاَ كَارِزٍ؟ وَكَيْفَ يَكْرِزُونَ إِنْ لَمْ يُرْسَلُوا؟ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «مَا أَجْمَلَ أَقْدَامَ الْمُبَشِّرِينَ بِالسَّلاَمِ، الْمُبَشِّرِينَ بِالْخَيْرَاتِ».” (رو 10: 14 -15) ورأينا سابقاً أن الإرسال كان يتم بسيامة الشخص إما شماساً أو كاهناً أو أسقفاً وذلك بوضع الأيدي.
وكما أسلفنا بأن الوكلاء ليسوا فقط الرسل وإنما الأساقفة خلفاءهم ” لأنه يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الأُسْقُفُ بِلاَ لَوْمٍ كَوَكِيلِ اللهِ، غَيْرَ مُعْجِبٍ بِنَفْسِهِ، وَلاَ غَضُوبٍ، وَلاَ مُدْمِنِ الْخَمْرِ، وَلاَ ضَرَّابٍ، وَلاَ طَامِعٍ فِي الرّبحِ الْقَبِيحِ”.
وفي مثل الكرَامين متى (8:20) يسمى الرسل الوكلاء الجدد الذين إئتمنوا على الرعيّة، والرّب هو صاحب الكرم الذي يقيم الوكلاء على الرعيّة كما يريد، وفي (إرميا 1: 10) “اُنْظُرْ! قَدْ وَكَّلْتُكَ هذَا الْيَوْمَ عَلَى الشُّعُوبِ وَعَلَى الْمَمَالِكِ، لِتَقْلَعَ وَتَهْدِمَ وَتُهْلِكَ وَتَنْقُضَ وَتَبْنِيَ وَتَغْرِسَ».” وهذا يظهر كيف كان الرّب في العهد القديم يقيم الوكلاء “اُنْظُرْ! قَدْ وَكَّلْتُكَ هذَا الْيَوْمَ عَلَى الشُّعُوبِ وَعَلَى الْمَمَالِكِ، لِتَقْلَعَ وَتَهْدِمَ وَتُهْلِكَ وَتَنْقُضَ وَتَبْنِيَ وَتَغْرِسَ».” (إرميا 1: 10) وبالتالي فكهنوت المسيح يمتد إلى الرسل وخلفائهم كما قال الرّب “اَلَّذِي يَسْمَعُ مِنْكُمْ يَسْمَعُ مِنِّي، وَالَّذِي يُرْذِلُكُمْ يُرْذِلُنِي، وَالَّذِي يُرْذِلُنِي يُرْذِلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي».” (لو 10: 16)، ” مَنْ يَقْبَلُكُمْ يَقْبَلُنِي، وَمَنْ يَقْبَلُني يَقْبَلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي”(40:10).
سفراء
ويسمى رجال الإكليروس أيضاً سفراء لأن السفير له كامل السلطة التي للملك في داخل البلد المتواجد فيه وبالتالي فإنه يحمل إمتداد سلطة الملك ولذلك يقول بولس الرسول “أَيْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعًا فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ.” (2 كو 5: 19)” “إِذًا نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ الْمَسِيحِ، كَأَنَّ اللهَ يَعِظُ بِنَا. نَطْلُبُ عَنِ الْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا مَعَ اللهِ.” (2 كو 5: 20) و “وَلكِنَّ الْكُلَّ مِنَ اللهِ، الَّذِي صَالَحَنَا لِنَفْسِهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَأَعْطَانَا خِدْمَةَ الْمُصَالَحَةِ،” (2 كو 5: 18) إذاً عمل المصالحة الذي قام به السيد المسيح لم يتوقف ولكن استمر من خلال الرسل وخلفائهم رجال الإكليروس الذين هم وكلاء الله، وهؤلاء يقومون بعمل المصالحة بين البشر والله ويخدمون هذا العمل كسفراء كما قال بولس الرسول “الَّذِي لأَجْلِهِ أَنَا سَفِيرٌ فِي سَلاَسِلَ، لِكَيْ أُجَاهِرَ فِيهِ كَمَا يَجِبُ أَنْ أَتَكَلَّمَ.” (أفسس 6: 20)
ملائكة
إن هذا اللقب قد ورد في الكتاب المقدس عن رجال الإكليروس.
أولاً عن يوحنا المعمدان ” كما هو مكتوب في الانبياء: « “كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الأَنْبِيَاءِ: «هَا أَنَا أُرْسِلُ أَمَامَ وَجْهِكَ مَلاَكِي، الَّذِي يُهَيِّئُ طَرِيقَكَ قُدَّامَكَ.” (مرقس 1: 2)” “«هأَنَذَا أُرْسِلُ مَلاَكِي فَيُهَيِّئُ الطَّرِيقَ أَمَامِي. وَيَأْتِي بَغْتَةً إلى هَيْكَلِهِ السَّيِّدُ الَّذِي تَطْلُبُونَهُ، وَمَلاَكُ الْعَهْدِ الَّذِي تُسَرُّونَ بِهِ. هُوَذَا يَأْتِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ»” (ملاخي 3: 1)”
وكما أن الملائكة مرسلة لخدمة العتيدين أن يرثوا الخلاص ” صَائِرًا أَعْظَمَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ بِمِقْدَارِ مَا وَرِثَ اسْمًا أَفْضَلَ مِنْهُمْ” (عبرانين 4:1) هكذًا أيضا ًرجال الإكليروس هم أشخاص مرسلون من الله لخدمة العتيدين أن يرثوا الخلاص وهم ينفذون كالملائكة إرادة الرّب. ونرى هذا اللقب أيضاً في رؤيا يوحنا الذي يلقّب أساقفة الكنائس السبع بالملائكة، ولذلك لا يمكن أن يدعي جميع المؤمنين أنهم جميعاً ملائكة الكنائس وأنهم وكلاء وسفراء وإنما عليهم بالتواضع كما يقول بولس الرسول: “فَإِنِّي أَقُولُ بِالنِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لِي، لِكُلِّ مَنْ هُوَ بَيْنَكُمْ: أَنْ لاَ يَرْتَئِيَ فَوْقَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْتَئِيَ، بَلْ يَرْتَئِيَ إلى التَّعَقُّلِ، كَمَا قَسَمَ اللهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِقْدَارًا مِنَ الإِيمَانِ.” (روميه 12: 3) ” علماً بأنه يوجد فرق كبير بين شخص الكاهن وسلطته الكهنوتية فهو قد يخطئ لكن كهنوته كاملٌ، فإيليا النبي كان إنساناً تحت آلام مثلنا، مع كونه نبياً. “كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَانًا تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا، وَصَلَّى صَلاَةً أَنْ لاَ تُمْطِرَ، فَلَمْ تُمْطِرْ عَلَى الأَرْضِ ثَلاَثَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ.” (يعقوب 5: 17)،
وعن يهوشع الكاهن العظيم الذي كان يلبس لباساً قذراً وكان واقفاً الملاك والشيطان وملاك الرّب إنتهر الشيطان قائلاً: “فَقَالَ الرّب لِلشَّيْطَانِ: “لِيَنْتَهِرْكَ الرّب يَا شَيْطَانُ! لِيَنْتَهِرْكَ الرّب الَّذِي اخْتَارَ أُورُشَلِيمَ! أَفَلَيْسَ هذَا شُعْلَةً مُنْتَشَلَةً مِنَ النَّارِ؟». وَكَانَ يَهُوشَعُ لاَبِسًا ثِيَابًا قَذِرَةً وَوَاقِفًا قُدَّامَ الْمَلاَكِ”(زكريا 3: 2 – 3).
وهذا يدل على أن الله يرسل الملاك لينقي هوشع الكاهن من خطيئته ويلبسه الثياب اللائقة بكهنوته، وإن سر الكهنوت هو سرّ عظيم وأن الله يقدّره كثيراً بغض النظر عن شخص الكاهن إن كان باراً أو خاطئاً.
وشاول الذي كان مسيح الرّب ولكن الرّب رفضه وذهب روح الرّب من عند شاول (صموئيل 14:16) وهذا حاول قتل داود النبي. إلاّ أن داود عندما صار ملكاً لم يقتله لأنه مسيح الرّب وقال “فَقَالَ لِرِجَالِهِ: «حَاشَا لِي مِنْ قِبَلِ الرّب أَنْ أَعْمَلَ هذَا الأَمْرَ بِسَيِّدِي، بِمَسِيحِ الرّب، فَأَمُدَّ يَدِي إِلَيْهِ، لأنه مَسِيحُ الرّب هُوَ».” (1 صم 24: 6) وأيضاً، “فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ: «كَيْفَ لَمْ تَخَفْ أَنْ تَمُدَّ يَدَكَ لِتُهْلِكَ مَسِيحَ الرّب؟»” (2 صم 1: 14) هكذا فإن مسيح الرّب يبقى له كرامته أمام الرّب حتى ولو أخطأ فعلى الرعيّة أن تحترمه بغض النظر عن إثمه.
الرعاة
أطلق هذا اللقب على الآباء الرسل والأساقفة وأول من أطلق هذا اللقب هو السيد المسيح حينما قال لبطرس الرسول “إرعَ غنمي …إرع خرافي”(يو21: 15 – 17) ولذلك فإن الراعي هو من يهتم بالرعيّة ويقودها إلى الخلاص “اِحْتَرِزُوا اِذًا لأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ الرعيّة الَّتِي أَقَامَكُمُ الرّوح الْقُدُسُ فِيهَا أساقفة، لِتَرْعَوْا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ” اعمال (28:20)، إذاً يوجد رباط مهم بين الأسقف والرعيّة كما يقول بطرس الرسول (1بطر 25:2) عن المسيح “راعي نفوسكم وأسقفها” ويقول بطرس الرسول أيضاً للأساقفة “ارْعَوْا رَعِيَّةَ اللهِ الَّتِي بَيْنَكُمْ نُظَّارًا، لاَ عَنِ اضْطِرَارٍ بَلْ بِالاخْتِيَارِ، وَلاَ لِرِبْحٍ قَبِيحٍ بَلْ بِنَشَاطٍ، وَلاَ كَمَنْ يَسُودُ عَلَى الأَنْصِبَةِ، بَلْ صَائِرِينَ أَمْثِلَةً لِلرَّعِيَّةِ. وَمَتَى ظَهَرَ رَئِيسُ الرُّعَاةِ تَنَالُونَ إِكْلِيلَ الْمَجْدِ الَّذِي لاَ يَبْلَى..” 1بطرس (5: 2- 4) وهنا كلمة نظاراً كما وردت بالنص اليوناني كأساقفة وهذه مأخوذة من حزقيال (17:3)،(7:23) وتترجم رقيباً ولكن هي أسقفٌ.
آباء
يقول البعض حول الآباء “لا تدعوا لكم أباً على الأرض لأن أباكم السماوي واحد الذي في السموات” (متى 9:23).
قيلت هذه الآية للرسل دون غيرهم لأن أباهم هو الرّب يسوع المسيح أما هم فقد صاروا آباء لجميع المسيحيين. وأيضاً قيلت هذه الآية كي لا نعبد ولا ننتمي إلا لربنا وأبينا يسوع المسيح وحده ونرفض جميع التعاليم الأخرى ولكنها لم تنفِ استخدام كلمة أب أو معلم لأنه أعطى أن يكون البعض معلّمين (أفسس 11:4) وهكذا كلمة أب فكان إبراهيم أباً لجميع الأمم (روميه 11:4) و رومية 3(12:11)
وفي غلا(16:3) ان كل من له إيمان إبراهيم فهو ابن لإبراهيم، إذاً يكون إبراهيم أباً له، وأليشع يدعو إيليا أباه (2ملوك 14:13) وداود يدعو شاول مسيح الرّب أباً (1صموئيل 11:24) وأيوب (16:29) قال “أب أنا للفقراء”.
غلا(9:4) يقول بولس الرسول “يا أولادي الذي اتمخض بكم”، وفي 1كور4 (17:14) ” بل كاولادي الأحباء انذركم… لكن ليس لكم آباء كثيرون لأني انا ولدتكم في المسيح يسوع بالإنجيل” وهذه تُظهر الأبوة الرّوحية لبولس الرسول تجاه أهل كورنثوس.
معلمون
هل يحق للجميع أن يُعلم؟ أم فقط للذين أعطي لهم السلطان؟ يقول القديس بولس الرسول إن الله وضع في الكنيسة أولاً رسلاً، ثانياً أنبياء ثالثاً معلّمين “فَوَضَعَ اللهُ أُنَاسًا فِي الْكَنِيسَةِ: أَوَّلًا رُسُلًا، ثَانِيًا أَنْبِيَاءَ، ثَالِثًا معلّمين، ثُمَّ قُوَّاتٍ، وَبَعْدَ ذلِكَ مَوَاهِبَ شِفَاءٍ، أَعْوَانًا، تَدَابِيرَ، وَأَنْوَاعَ أَلْسِنَةٍ.” (1 كو 12: 28) وايضاً “وَهُوَ أَعْطَى الْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلًا، وَالْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ، وَالْبَعْضَ مُبَشِّرِينَ، وَالْبَعْضَ رُعَاةً وَمعلّمين،” (أف 4: 11) وهذه الآية تربط الرعاية بالتعليم وكون الأساقفة هم الرعاة لذلك يقول بولس الرسول عن صفات الأسقف أن يكون صالحاً للتعليم (1تيمو 2:3) والاسقف هو المسؤول عن التعليم كما يقول الرسول في تيطس( 1: 9) يجب أن يكون “مُلاَزِمًا لِلْكَلِمَةِ الصَّادِقَةِ الَّتِي بِحَسَبِ التَّعْلِيمِ، لِكَيْ يَكُونَ قَادِرًا أَنْ يَعِظَ بِالتَّعْلِيمِ الصَّحِيحِ وَيُوَبِّخَ الْمُنَاقِضِينَ.” ” ويقول أيضاً “وأما أنت فتكلم بما يليق بالتعليم الصحيح” تيطس (1:2) ويقول بولس الرسول إلى تلميذه تيموثاوس “اكْرِزْ بِالْكَلِمَةِ. اعْكُفْ عَلَى ذلِكَ فِي وَقْتٍ مُنَاسِبٍ وَغَيْرِ مُنَاسِبٍ. وَبِّخِ، انْتَهِرْ، عِظْ بِكُلِّ أَنَاةٍ وَتَعْلِيمٍ.” (2 تي 4: 2).
ويقول له: أيضاً “لاَحِظْ نَفْسَكَ وَالتَّعْلِيمَ وَدَاوِمْ عَلَى ذلِكَ، لأَنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ هذَا، تُخَلِّصُ نَفْسَكَ وَالَّذِينَ يَسْمَعُونَكَ أَيْضًا.” (1 تيمو 4: 16) ومن المعروف أن عمل التعليم مرتبط بالكهنوت “لأَنَّ شَفَتَيِ الْكَاهِنِ تَحْفَظَانِ مَعْرِفَةً، وَمِنْ فَمِهِ يَطْلُبُونَ الشَّرِيعَةَ، لأنه رَسُولُ رَبِّ الْجُنُودِ.” (ملاخي 2: 7).
ونلاحظ هذا من كلمات الرّب أن سلطة التعليم أعطيت للرسل وخلفائهم دون غيرهم “وَقَالَ لَهُمُ: «اذْهَبُوا إلى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا.” (مرقس 16: 15).
“فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ معمّدين إياهم بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرّوح الْقُدُس وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إلى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ». آمِينَ.” (متى28: 19- 20)، ومن كلام بولس الرسول (1تيمو 17:5) .
أما الشيوخ (الكهنة) الْمُدَبِّرُونَ حسناً فليحسبوا أهلاً لكرامة مضاعفة ولاسيما الذين يتعبون في الكلمة والتعليم، ولكن البعض الذين يرفضون سر الكهنوت يستندون إلى آية يوحنا(45:6) “إِنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي الأَنْبِيَاءِ: وَيَكُونُ الْجَمِيعُ مُتَعَلِّمِينَ مِنَ اللهِ. فَكُلُّ مَنْ سَمِعَ مِنَ الآبِ وَتَعَلَّمَ يُقْبِلُ إِلَيَّ.” (يو 6: 45)
إن كان الله يريدنا أن نتعلم منه مباشرةً فلماذا أرسل الرسل ليبشروا؟
لماذا جعلهم يكتبون الكتاب المقدس؟ ولماذا أعطى البعض أن يكونوا معلّمين؟ أفسس (11:4) ولماذا وضع في الكنيسة معلّمين؟ (1كور28:12) ولماذا أمر الأساقفة بالتعليم؟ (1قيمو16:4) ولماذا أمر بالوعظ والكرازة؟ (2ثيمو2:4). ولكن هذه الآية تفهم بالآية التالية “من سمع منكم سمع مني” لو(16:10) أي أن الله يتكلم مع شعبه من خلال الكنيسة ومعلّميها واساقفتها وكهنتها، أي أن التعليم مصدره هو الله وشريعته التي تخرج من فم الكاهن (ملاخي7:2) وليس من الهراطقة والمبتدعين والأنبياء الكذبة، ولذلك فإن الرسل وخلفاءهم يصبحون فم الله للشعب “لأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلْ رُوحُ أَبِيكُمُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيكُمْ.” (مت 10: 20).
ولذلك يقول يوحنا الرسول “أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لاَ تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ امْتَحِنُوا الأَرْوَاحَ: هَلْ هِيَ مِنَ اللهِ؟ لأَنَّ أَنْبِيَاءَ كَذَبَةً كَثِيرِينَ قَدْ خَرَجُوا إلى الْعَالَمِ.” (1 يو 4: 1) والمقياس في ذلك هو تعاليم الآباء القديسين الذي من الرّوح القدس.
مرشدون ومدبِّرون
هذا لقب آخر لبعض رجال الإكليروس الذين يرشدون الرعيّة في طريق الخلاص ويدبّرون عمل الجهاد الرّوحي. ويقول عنهم بولس الرسول “اُذْكُرُوا مُرْشِدِيكُمُ الَّذِينَ كَلَّمُوكُمْ بِكَلِمَةِ اللهِ. انْظُرُوا إلى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ.” (عب 13: 7) ويقول أيضاً “أَطِيعُوا مُرْشِدِيكُمْ وَاخْضَعُوا، لأنهمْ يَسْهَرُونَ لأَجْلِ نُفُوسِكُمْ كَأَنَّهُمْ سَوْفَ يُعْطُونَ حِسَابًا، لِكَيْ يَفْعَلُوا ذلِكَ بِفَرَحٍ، لاَ آنِّينَ، لأَنَّ هذَا غَيْرُ نَافِعٍ لَكُمْ.” (عب 13: 17)
إذاً هؤلاء ليسوا بمرشدين عاديين ولكن لهم سطان في ذلك، أي أن رجال الإكليروس كما يقول بولس الرسول “أَمَّا الشُّيُوخُ الْمُدَبِّرُونَ حَسَنًا فَلْيُحْسَبُوا أَهْلًا لِكَرَامَةٍ مُضَاعَفَةٍ، وَلاَ سِيَّمَا الَّذِينَ يَتْعَبُونَ فِي الْكَلِمَةِ وَالتَّعْلِيمِ،” (1 تي 5: 17) “والمدبِّر فباجتهاد” والمدبِّر هو الذي يهتم برعيّته كما يقول بولس الرسول “ثُمَّ نَسْأَلُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَعْرِفُوا الَّذِينَ يَتْعَبُونَ بَيْنَكُمْ وَيُدَبِّرُونَكُمْ فِي الرّب وَيُنْذِرُونَكُمْ،” (1 تسالونيكي 5: 12)، أما كلمة كهنة فقد وردت في العهد الجديد أن المسيح هو رئيس الكهنة على رتبة ملكي صادق، عبرانيين(21:7) و(26:7) و(1:8) فإن لم يكن كهنة فكيف يسمَّى رئيس كهنة؟
أمّا كلمة شيخ فهي مرادفة لكلمة كاهن كما يقول القديس يعقوب “أَمَرِيضٌ أَحَدٌ بَيْنَكُمْ؟ فَلْيَدْعُ شُيُوخَ الْكَنِيسَةِ فَيُصَلُّوا عَلَيْهِ وَيَدْهَنُوهُ بِزَيْتٍ بِاسْمِ الرّب،” (يع 5: 14)، فإن لم يكن هناك كهنة أو شيوخ فلماذا لم يقل أنتم ادهنوه بالزيت باسم الرّب؟ ولكن أدعوا كهنة الكنيسة وهذا يدلُّ على أنّه يوجد رجال مفروزون من الله قد وضعت عليهم الأيادي وأصبحوا كهنة وهؤلاء يُدعَون من أجل الصلاة والمسحة على المريض بسم الرّب.
الرُتَب الكهنوتية
إن الرتب الكهنوتية في الكنيسة هم ثلاث رتب:
الأسقف، والكاهن، والشماس.
اننا نؤمن بأنّ الكهنوت هو واحد وهو كهنوت الرّب يسوع المسيح وهذا الكهنوت يعطى للأسقف أو للكاهن أوللشماس بوضع الأيادي من قبل الأساقفة مع الأفاشين التي تقرأ وبالتالي فإن كهنوت الأسقف ليس كهنوتاً منفصلاً وإنما هو امتداد لكهنوت المسيح، أي ان الذي يقدّس ويعلّم ويدبّر الكنيسة والمؤمنين هو المسيح نفسه والكاهن ليس واسطة وإنما هو لسان حال الله للشعب ولسان حال الشعب لله كما كان موسى . ولكن الذي يعمل هو الله بالذّات لأنه هو القائل ” وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إلى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ». آمِينَ.” (مت 28: 20).
أولاً الأسقف ..
الأسقف بحسب العقيدة المسيحيّة هو أيقونة المسيح وفي مكانه كما يقول الآباء القديسون Κατα τόπον καί Τύπου χριστου وهذه الكلمة الأسقف ΕΠΙΣΚΟΠΠΣ قد وردت في الكتاب المقدس العهد القديم في قول يوسف لإخوته “وَقَالَ يُوسُفُ لإِخْوَتِهِ: «أَنَا أَمُوتُ، وَلكِنَّ اللهَ سَيَفْتَقِدُكُمْ وَيُصْعِدُكُمْ مِنْ هذِهِ الأَرْضِ إلى الأَرْضِ الَّتِي حَلَفَ لإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ».” (تك 50: 24). وكلمة سيفتقدكم استخدمت ΕΠΙΣΚΟΠΠΣ أي ان الله هو المشرف وهو الأسقف ……….
وهنا تعني المراقِب والمنظِّم والديّان والمحاسب والفاحص، وقد وردت هذه الكلمة في حكمة يشوع بن سيراخ ” قبل القضاء افحص نفسك فتنال العفو ساعة الافتقاد.”) 20:18(
وقدر وردت بمعنى الوكيل والوكلاء في عدد 16:4، 14:31، وفي سفر القضاة 28:9 ملوك الرابع 15:11 واشعياء 17:60 .
وفي المكابيين الأول52:1 ان الملك أقام رقباء أي أساقفة مشرفين Καί εποιησεν επίσκουος هذه الكلمة تأتي بمعنى الإشراف على الهيكل وعلى قدس الأقداس (عدد 4: 16 )، ووردت في العهد الجديد في (لوقا 19: 44) أي زمن افتقاد أورشليم .
وهي تعني زمن دخول الرّب يسوع المسيح وخلاص البشريّة ودمار أورشليم الأرضيّة.
وفي أعمال الرسل وردت هذه الكلمة في خطاب بطرس الرسول عندما اختاروا رسولاً عوض يهوذا الإسخريوطي ليأخذ منصبه آخر وكلمة المنصب جاءت بمعنى وظيفة او أسقفية Τήν επισκοπή του وفي رسالة بولس الرسول إلى تيموثاوس ( 3: 1) ” من اشتهى الأسقفية فقد اشتهى أمراً حسناً”.
وفي الترجمة السبعينيَة وردت بمعنى مشرف في الكلام عن أليعازر بن هارون الكاهن عدد 4: 16، وبمعنى قادة الجيش عدد 31:14، أو ولاة ومشرفين أشعيا 60: 7 ” اجعل وكلاءك سلاماً وولاتك براً.
وفي سفر ايوب 29: 20 تأتي بمعنى القدير. وسفر الحكمة 6:1 وتعني الناظر والفاحص.
“إِنَّ رُوحَ الْحِكْمَةِ مُحِبٌّ لِلإِنْسَانِ؛ فَلاَ يُبَرِّئُ الْمُجَدِّفَ مِمَّا نَطَقَ، لأَنَّ اللهَ نَاظِرٌ لِكُلْيَتَيْهِ وَرَقِيبٌ لِقَلْبِهِ لاَ يَغْفُلُ وَسَامِعٌ لِفَمِهِ.” (حك 1: 6) وهنا تأتي كلمة أسقف بمعنى المراقب والمشرف.
أما في العهد الجديد وردت خمس مرات:
- (1 بطرس 2: 25)”لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ كَخِرَافٍ ضَالَّةٍ، لكِنَّكُمْ رَجَعْتُمُ الآنَ إلى رَاعِي نُفُوسِكُمْ وَأُسْقُفِهَا.” وهنا تأتي بمعنى الراعي.
- في (1تيمو 3: 2) وتيطس(1: 7) باعتبار أن الأسقف هو وكيل الله والمشرف والمسؤول عن الرعيّة وعن العناية بكنيسة الله ويتكلّم عن صفاته.
- فيلبي (1: 1)”بُولُسُ وَتِيمُوثَاوُسُ عَبْدَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، إلى جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، الَّذِينَ فِي فِيلِبِّي، مَعَ أساقفة وَشَمَامِسَةٍ:” اي المشرفين على المؤمنين.
- اعمال الرسل ( 20: 20- 28) وهنا يوصي بولس الرسول الأساقفة أن يهتموا لأنفسهم وللرعية التي أقامهم بها الرّوح القدس أساقفة “التي اقتناها بدمه”. لكن عندما انتشرت الكنائس رتبت الكنيسة أن يكون لكل مدينة أسقفها، ويدعو الآباء القديسون الأسقفَ بزوج الكنيسة. في اللاهوت المسيحي فإن الأسقف بكهنوته هو أيقونة المسيح، وبالتالي يقول القديس أغناطيوس الأنطاكي حيث الأسقف هناك تكون الكنيسة فلا وجود للكنيسة دون الأسقف، لأنه هو المسؤول الأول والأخير أمام الله من أجل خلاص رعيته، وكون الله إله نظام وليس إله تشويش كما يقول بولس الرسول إلى أهل كورنثوس (1كور 14: 33) فكان من الواجب أن ننظّم علاقات المسيحيين في كل مدينة عن الأخرى، وهكذا أقيمت الأبرشيات.
صفات الأسقف
- قد نجد هذه الصفات في رسالة بولس الرسول إلى تيموثاوس (1تيمو3 (16:1) وهذه الصفات ضروريّة ولكن ما معنى “من اشتهى الأسقفية فقد اشتهى أمراً حسناً؟”
- إن الأسقفية هي حالة روحيّة عالية اي أن الاسقف هو النقي والمستنير والذي وصل إلى حالة التأله وهو الذي يفحص الأرواح ويميّزها، وهو راعي الرعيّة والمهتم الأول والأخير في خلاصها، وكان من الواجب أن يكون الأسقف قد وصل إلى حالة روحيّة عالية أي إلى حالة التألّه بالنعمة، وبالتالي من اشتهى أن يصل إلى هذه الحالة فقد اشتهى أمراً حسناً.
- فالأسقف يقوم بكافة الأسرار وتدشين الكنائس وإقامة الكهنة والشمامسة ورسامة الأساقفة الآخرين بوجود أسقفين آخرين معه، ويقدس الميرون والأندمينسيون.
- وهو المسؤول الأول في الوعظ والإرشاد والتعليم وله وحده الحق في إعطاء هذه الصلاحيّة لمن يراه مناسباً ليس بحكم الدكتاتوريّة وإنما بحكم المحافظة على الإيمان القويم من الهراطقة والبدع والأنبياء الكذبة. أعمال (14: 24) وله الحق وحده أو بإذنه ان تقام جميع أنشطة التعليم من كهنة وشمامسة وعلمانيين.
- وله وحده حق سرّ الإعتراف أو لمن يوكله من الكهنة بعد أن يرى حياتهم الرّوحية وبأنهم يستطيعون أن يرشدوا التائبين إلى طريق الصلاح.
- الكهنة: يُدعون في العهد الجديد بالقسوس كهنة أو شيوخ (أعمال 4: 23 ) وهؤلاء لهم نفس كهنوت المسيح ويعطى لهم من خلال أسقفهم، والكهنة كلٌّ يتبع أسقفاً ولا يستطيع أن يقيم أية خدمة أو تعليم أو أيّاً من الأسرار إن لم يكن تابعاً لأسقف معيّن، فلا يوجد كاهن يقيم أبرشية لوحده ويحق له إقامة جميع الأسرار ما عدا تقديس الميرون أو تدشين الكنائس أو سيامة آخرين لأنها من اختصاص الأسقف، ولكن على الكاهن مسؤولية روحيّة تجاه نفسه وتجاه الرعيّة، ففي القديم كان يُسام المؤمن كاهنا عندما يصل إلى درجة الاستنارة وبالتالي فهو مسؤول عن رعيته أمام الله وعليه أن يحافظ على الوديعة التي ائتُمن عليها وهو له عمل تقديسي من خلال إقامة الأسرار المقدسة وتعليمي وإداري تحت إرشادات الأسقف.
- الشمامسة: لقد ذكر بولس الرسول صفاتهم في (ا تيمو 3: 12) وما يتبع من هذه الآيات، وهم يقومون بمساعدة الأسقف والكهنة في خدمة الأسرار والتعليم وإدارة شؤون الكنيسة.
- إذاً على رجال الإكليروس مسؤولية عظيمة أمام الله لأنهم هم وكلاء سرائر الله وعليهم واجب خدمة الرعيّة وتقديسها وقيادتها إلى طريق الخلاص وإبعاد الذئاب الخاطفة حتى ولو استدعى ذلك الاستشهاد من أجل خلاصها.