التفسيرات اللاهوتية لقيامة الرب بحسب القديس ايرينيوس
مايو 14, 2024تذكارُ نقلِ رفاتِ القدّيسِ أثناسيوس الكبير
مايو 15, 2024إن هذا الفصح هو فصح الرب، وأيضاً أقول فصح الرب إكراما للثالوث الأقدس. هذا هو عيد الأعياد وموسم المواسم، الذي يفوق جميع الأعياد. انه قمة أعياد السيد نفسه.
اليوم نعيِّد للقيامة، ليس لأجل أمر نتمناه أو نرجوه، وإنما لأنه حدثٌ قد تم من أجل العالم أجمع. لذا، فإنه واجب على كل واحد منا أن يقدم ثمراً معيَّنا في هذا الموسم، أعني أن يقدم هديّة، أي عيديّة. هديّة قد تكون كبيرة أو صغيرة لا يهم، المهم أن تكون هذه الهديّة روحانيّة نقدمها لحبيبنا (الله)، وكلٌّ بحسب مقدرته. إن الملائكة أيضاً تفرح في هذا اليوم، بالرغم من أنها ترى الرب في كل حين مترنِّمةً بكافة أنواع الألحان.
علينا اليوم أن نصبح شركاء الفصح الجديد، فبما أننا قد تخطّينا الفصح الناموسي، والذي كان ظلّ للفصح الجديد، فنصبح الآن أكثر كمالاً ونقاوةً حين نشرب الكأس الجديد مع اللّوغوس (الله الابن) المتجسِّد والقائم في ملكوت أبيه، والذي هو تعليم الرب، لأن تعاليمه هي غذاء الجائعين. وهكذا فنحن الآن نصبح شركاء الناموس الجديد الروحي وليس الحرفي. اشتراكاً كاملاً في ناموس أبدي وليس زمني. ولنجعل مدينتنا لتصير: لا أورشليم الأرضية وإنما السماوية، لا أورشليم المحاطة بالجنود وإنما أورشليم الممجدة من الملائكة.
علينا يا أخوة، أن لا نقدِّس عجولاً ولا خرافاً لها قرون وأظلاف، لأنها تصبح ميِّتة، ولكن علينا أن نقدِّم إلى الله ذبيحة شكر على المذبح السماوي مع الصافات الملائكية. علينا أن نشقَّ الحجاب الحاجز ما بيننا وبين الله، وندخل إلى قدس الأقداس، إلى المذبح الثاني بورع. أي علينا أن نقرِّب إلى الله ذواتنا. هذا هو القربان الذي علينا أن نقرِّبه يومياً، وذلك بأن نتقبَّل كل أمر يحيق بنا من أجل إلهنا. أن نشابهه في آلامه عندما نتألم ونكرِّم دمه في دمائنا، ونُقبِل معه نحو صليبه. إن مساميره عذْبة حتى ولو كانت مؤلمة، لأن اشتراكنا بآلامه وعذاباته أفضل من العيش الرغيد مع الخاطئين.
إن كنتَ سمعان القيرواني، فاحمل الصليب واتبع المسيح. إن صُلِبتَ مع المسيح كاللّص، فاعرف الله وكُن كالعبد الشَّكور، واعرف أن ذاك قد أُحصي مع الأثمة من أجلك ومن أجل خطاياك، كن أنت صالحاً من أجله، أسجد له لأنه عُلِّقَ على الصليب لخلاصك من الموت. ادخل مع يسوع إلى الفردوس كي تتفطَّن من أين سقطتَ، وانظر إلى جمال هذا الفردوس ولا تكن كاللِّص الذي مات حاملاً معه تجديفاته. وإن كنتَ يوسف الرامي فاطلب جسد يسوع من صالبيه، كي يكون لك هذا الذي طهَّر العالم. وإن كنتَ نيقوديموس الذي جاء ليلاً، فطيِّب جسد الرب. وإن كنت أحد المريمات أو سالومي أو حنَّة، فاذرف الدموع باكراً، كي ترى الحجر قد دُحرِج، وترى الملائكة، وترى أيضاً الرب نفسه، قُلْ شيئاً كي تسمع صوته. وإن سمعتَ: “لا تلمسيني” فابْقَ بعيداً واحترم كلمة الله، ولكن لا تحزَن، لأنه يعلَم لمَنْ سيَظهَرُ أولاً.
الرب يعلِن القيامة، لقد ساعَدَ المرأة (حواء الأولى) التي سقطت في الخطيئة، وبعد القيامة كانت المرأة هي أولى من سمعت صوته، وسلَّم عليها المسيح، إنها هي المرأة التي بشَّرت التلاميذ. كن بطرس أو يوحنا وأسرِع إلى القبر وجاهد الجهاد الحسن، حتى وإن أسرعت فإنك تربح بسبب غيرتك، ولا تقف خارج القبر بل أدخل داخله. أما إن كنت مثل توما الذي لم يكن مع الرسل حين أبصروا الرب، وإن أَظهَرَ لك المسيح آثار الحربة والمسامير، فأقبِل إليه مثل توما، ولكن اعرف سبب الصَّلب والقيامة، بأن هذا كلّه صار من أجل أن يخلُص الجميع.
لقد خُلِقنا كي نحيا بفرحٍ مع الرب، أُعطيَ لنا الفردوس كي نَسعَد به، أُعطيت لنا الوصيّة كي نسعَد بحفظها. ليس أن الله عارف بأننا سنقع في الخطيئة، ولكن لأنه هو المشرِّع الخالق، وقد خلقنا ذَوو حرِّية شخصية كاملة.
لقد وقعْنا في الفساد والتعاسة، لأننا احتوينا الحِقد عوض المحبّة، وتعدّينا على وصيّته. إننا نصوم اليوم لأننا لم نحافظ على وصيّة الصيام. فشجرة المعرفة كانت بمثابة تأديب لنا، ومن أجل أن نأكل منها كنّا بحاجة إلى مساعدة من الله. لذلك هو تجسَّد ودُفِن وقام من أجل أن نحيا. لقد متنا معه كي نتنقَّى، فقمنا معه لأننا متنا معه، ومُجِّدنا معه لأننا قمنا معه.
العجائب التي حصلت في تلك الحقبة الزمنية كانت كثيرة. عندما صُلِبَ المسيح أظلمت الشمس إلى حين، حدث هذا لأن الطبيعة كان عليها أن تشترك بآلام الرب. الأمر الآخر هو خروج دم وماء من جنبه، “الدم لأنه كان إنساناً، والماء لأنه كان أعلى من البشريّة”. الأرض التي تزلزلت والصخور التي تشققت والأموات الذين قاموا. وهذا كلُّه صار كي نَعَلم أنه في يوم الدينونة ستقوم أجسادنا. إن هذه كلًّها عجائب، ولكن العجيبة الكبرى هي خلاصٌ نفسيٌّ وجسديٌّ. إن نقاط الدم التي خرجت من المسيح طهَّرت العالم، وأصبح الجميع أنقياء كَلَوْنِ الحليب النقي، وبالتالي تَوحَّد الجميع بدمه.
أيها الفصح الجميل المقدَّس، يا من طهَّرت العالم بأجمعه، سأناجيك وكأنك شخص ماثلٌ أمامي. يا كلمة الله، أيها النور والحياة والحكمة والقوة، إنني أفرح بتنوُّع أسمائك. يا من هو ولادةُ وختمُ النّوس العظيم. يا أيها الكلمة الذي ظهر لنا كإنسان، الذي يحكم الجميع بكلمة منه. يارب أوقف نشاطات أجسادنا أي شهواتنا الأرضية.
آمين