شروحات في خدمة سر الزواج المقدس
يناير 11, 2024لماذا يستخدم زيت الزيتون في سر مسحة المرضى
يناير 11, 2024“ليس لأحَدٍ حُبٌ أعظمُ من هذا: أن يَضَع أحَدٌ نفسَهُ لأجلِ أحبّائِهِ (يوحنّا 13:15)
تختصرُ هذه الكلماتُ القليلةُ سرَّ الفداءِ بأسرِهِ، لأنَّهُ سِرُّ الحُبِّ، النابع من محبّةِ الله للبشر، وبهذا تُختَصَرُ علاقَةُ المسيحِ بالكنيسة.
يُكَرِّرُ الرّسولُ بولس هذه الصّورة في رسالَتِهِ إلى أهل أفسُسْ في الفصل الخامس، إذ يُشَبِّهُ علاقةَ الرّجلِ بالمرأة، أي الزَّوجَين، بعلاقةِ المسيحِ بالكنيسة: “أيّها الرِّجالُ أحِبّوا نِساءَكُم كما أحَبَّ المسيحُ الكنيسةَ وأسلمَ نفسَهُ لأجلِها، لِيُقَدِّسَها مُطَهِّرًا إيّاها” (أفسس5: 25-26)
هَدَفُ الحُبِّ القداسَةُ. فالزَّواجُ يُشكِّلُ أحَدَ دَربَيّ القَداسَةِ والدَّربُ الآخرُ البتولِيَّة، لأنَّ الحُبَّ هو الرّكيزةُ الأساس فيهما .لذلك وبمفهومِ الكتابِ المُقَدّس، إن أردنا أن نتعَلَّمَ معنى الحُبّ، وبخاصّةٍ الحُبّ الزَّوجي، علينا أن ننظُرَ إلى حُبِّ المسيحِ للكنيسة ونتعلّم منه كيف يكونُ الحُبّ الأعظم.
عندما أحبَّ المسيحُ الناسَ ماتَ من أجلِهم على الصّليب ولم ينظُرْ إلى ضُعُفاتِهم وعيوبِهم. هكذا في الزّواج، يُعلنُ الواحِدُ أنَّ الآخَرَ مُبتغاهُ بِكُلِّ عيوبِهِ، وأنَّهُ مُستَعِدٌّ لِبَذلِ نفسِهِ لأجلِ مَن يُحِبّ “فاقبَلوا بَعضُكُم بَعضًا لِمَجدِ اللهِ كما قَبِلَكُمُ المسيحُ (رومية 7:15). على هذا الأساسِ يَضَعُ الكاهِنُ إكليلَي الشَّهادَةِ على رأسَي العَروسَين.
الحُبُّ هو حَرَكَةُ الخُروجِ مِنَ الأنانِيَّةِ والفَرديَّةِ إلى الوَحدَة التي لا تُذيبُ الأشخاصَ ولكن تُؤَكِّدُهُم كاتِّحادِ الألوهَةِ والبَشَريَّةِ في شَخصِ يسوعَ المسيح.
الزَّواجُ في جوهَرِهِ مُحاوَلَةٌ لِتَحقيقِ هذهِ الوَحدَة حيثُ يَصيرُ الاثنان لا روحًا واحدًا بل جَسَدًا واحدًا. هذا كان في البَدءِ عندما خَلَقَ اللهُ الإنسانَ ذَكَرًا وأنثى على مِثالِهِ عَمِلَهُ. أرادَهُما اللهُ واحِدًا عندَما خَلَقَهُما.
الزّواجُ مؤسَّسَةٌ إلهيَّةٌ منذُ فجرِ الخليقةِ لا مُجَرَّدَ عَقدِ اتِّفاقٍ بين شَخصَين كما يقول البعض. وَحدَة الحُّبِّ هذه انكَسَرَت بالسُّقوطِ في الخطيئةِ وصارَ الحُبُّ مَشوبًا بالنَّزعَةِ نحوَ امتلاكِ الآخَر والسَّيطرَةِ عليه .لكن في المسيحِ عَبْرَ سِرِّ الفِداءِ الذي أتَمَّهُ أعادَ الزواجَ إلى أصالَتِهِ وعبرَ الحُبِّ الذي أفرَغَهُ فينا أعاد إلينا النّموذَجَ الثّالوثيَّ الأوَّلَ للحُبِّ، علاقَةَ الحُبِّ بين الآبِ والابنِ والرّوحِ القُدُس.
هكذا في الزَّواجِ المسيحيّ عندما يَتَقَدّمُ الزَّوجانِ للآبِ السَّماوي ويُقدّمانِ لهُ في المسيحِ حياتَهُما كُلَّها. فعندما يجتمعُ اثنان باسمِ يسوعَ المسيحِ ويكونُ المسيحُ ثالثُهما، يُطعَّمُ الحُبُّ البشَريّ بالحُبِّ الإلهيّ ويتحقَقُ الاتِّحادُ الأصيلُ فيصيرُ الاثنان واحدًا في المسيحِ الذي يَجمَعُهُما بالرّوحِ القُدُس.
نحنُ نؤمِنُ أنَّ الزَّواجَ المسيحيَّ سِرٌّ مُقَدَّسٌ يُقامُ في الكنيسةِ حيث يأتي الحبيبانِ ويُقَدِّمانِ للهِ حُبَّهُما بيسوعَ المسيحِ، فيباركُ اللهُ زواجَهُما ويَجمَعَهُما ويَجعَلَهُما جَسدًا واحِدًا. العلامةُ التي تمَيِّزُ الزَّواجَ المسيحيَّ هي هذه البَرَكَةُ التي يسعى إليها الزَّوجانِ اللذانِ يَرضَيانِ بالعيش معًا وتقديمِ حُبِّهِما عبرَ الكنيسة، والحصول على نعمةِ السِّرِّ المُقَدَّس.
ولكي تَحِلَّ بَرَكَةُ اللهِ على العروسَين، يجب أن يكونَ المسيحُ حالّاً في قَلبَيهِما، كما يجب أن يفهما معنى المَحبَّةَ الكاملَة التي عَلَّمَها يسوعُ للبشرِ قولاً وفعلاً والتي سَتجمَعَهُما.
فالزَّواجُ المسيحيّ ليس مُجَرَّدَ عَقدٍ يَتِمُّ بين شَخصَين. إنَّه مؤسَّسَةٌ إلهِيَّةٌ يَدخُلُ اللهُ فيها شريكًا، وهي أبديَّةٌ لا تزول. فالموتُ نفسُه لا يُفَرِّقُ بين الزَّوجَين المسيحيَّين.