شروحات في خدمة سر المعمودية المقدس
يناير 11, 2024لاهوت سر مسحة الميرون المقدس
يناير 11, 2024كان سر المعمودية، في الماضي يتم خلال (القرون الأولى ) الليتورجيا المسيحية، يدخل في صلب احتفال الفصح السنويّ العظيم، فيقام ليلة الفصح بالذات. ولا يزال طابع الارتباط العريق بين طقس المعمودية وليتورجيا الفصح محفوظا بشكل ثابت حتى اليوم إلا أن المسيحيين الذين يدركون هذا الأمر قلة، وكذلك حال من يعرفون أنّ ليتورجيا الفصح هي في المقام الأول، ليتورجيا للمعمودية، وأنّ ما يسمعونه مساء الفصح من القراءات الكتابية عن عبور البحر الأحمر أو الفتية الثلاث في الأتون أو يونان في بطن الحوت، يُمثل أقدم (صُوَر) المعمودية، وأن الفرح الذي يضيء هذه الليلة المقدسة مع دوي الإعلان المجيد: (المسيح قام !) هو فرح الذين اعتمدوا بالمسيح ولبسوا المسيح، أي الذين دفنوا معه بالمعمودية ليموتوا فيحيوا (حياة جديدة )، وكما أُقيم المسيح من بين الأموات بمجد الآب (رو٤:٦).
وقليلون هم المسيحيون الذين يعلمون أَنَّ الفصح بوصفه عيداً ليتورجيا، وأنَّ الصوم الكبير بوصفه تحضيراً ليتورجياً له، ناشئان أساساً من الاحتفال بالمعمودية، وأنَّ الفصح، (عيد الأعياد)، هو بالحقيقة ملء المعمودية، وأنَّ المعمودية هي بالحقيقة سر فصحي.
كلمة معمودية (Baptism) ، بحسب تفسير القديس نيقوديموس الآثوسي، والتي تعني تغطيس، هي اسم فعل يأتي من الفعل عمد (bapto) الذي يعني غطس أو غمر. إذاً، المعمودية مرتبطة بالماء.
وفي العربية هي الصبغة، كما نقول عن السابق، الصابغ ربنا يسوع المسيح. فبالصبغ يغطس كامل القماش المراد صبغه، وليس طرفه فقط.
ويعلّم الآباء أن هناك عدداً من أنواع المعموديات. فالقديس يوحنا الدمشقيّ في كلامه عن هذه المعموديات، يتحدث عن ثمانية أشكال
الأول هو معمودية الطوفان لمحو الخطيئة. الثاني معمودية البحر الأحمر والغمامة، إشارة إلى حين عبر الإسرائيليون البحر واختفوا بالغمامة. الثالث هو المعمودية القانونية التي يحكي عنها الناموس الموسوي والمرتبطة بالطهارة الجسدية. الرابع هو الذي قام به يوحنا السابق وكانت مدخلاً لأنها قادت المعتمدين إلى التوبة، هذا يعني أن يوحنا لم يغفر الخطايا بالمعمودية بل هيأ للغفران بمساعدة البشر ليدركوا خطيئتهم وينتظروا معمودية المسيح الكاملة. الخامس هو معمودية المسيح عند مجيئه إلى الأردن. هذه معمودية خاصة لأن المسيح كان بلا خطيئة . السادس هو معمودية الرب الكاملة التي جرت في الكنيسة بالماء والروح. السابع هو معمودية الدم والشهادة التي حَصلها المسيح لنا؛ وهي تتعلق بالآلام والصليب، وعلى منوالها شهادة القديسين الذين يشتركون بآلام المسيح. والثامن هو المعمودية الأخيرة، وهي لا توصف بالمعمودية الخلاصية، لأنها تزيل الخطيئة وتعاقبها إلى ما لا نهاية. إنها نار جهنم.
يميّز القديس يوحنا الذهبي الفم بين المعموديتين اليهودية والمسيحية الأولى لا تطهر من خطايا النفس بل من قذارة الجسد فقط. اما معمودية الكنيسة فأكثر سمواً بما لا يقارن لأنها تحرر الإنسان من الخطايا، تطهر النفس، وتمنح المعتمد ختم موهبة الروح القدس.
في العهد الجديد نجد أن المعمودية المسيحية هي معمودية “بالروح القدس ونار”، فيها يحلّ الروح القدس على المعتمد (أع 1: 8)؛ بينما معمودية يوحنا المعمدان هي معمودية بماء للتوبة (متى 3: 11؛ مر 1: 8؛ لو 3: 16؛ يو 1: 33؛ أع 1: 5؛ أع 2: 39).
المعمودية المسيحية هي “ولادة من الماء والروح” (يو 3: 3 و5)، “ولادة من فوق”، بدونها لا يقدر أحدٌ أن يرى ملكوت الله (يو 3: 5). وهي “غسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس” (تيطس 3: 5). في المعمودية المسيحية نُدفن مع المسيح، حتى نقوم معه كما أُقيم العتيق مع المسيح في المعمودية (رو 6: 3-6)، لأننا بالمعمودية “نلبس المسيح” (غلا 3: 27)، فهي مدخل حياة جديدة أو “جِدّة الحياة” (رو 6: 3-6).
فنحن بالمعمودية المسيحية نصير أعضاء في جسد المسيح الذي هو الكنيسة (1 كور 12: 13؛أفسس 4: 4)، فيصير كل المسيحيين أخوة بالمسيح بالتساوي وأعضاء في جسد واحد بروح واحد (1 كور 12: 13). المعمودية المسيحية حلّت محل الختان اليهودي، فهي ختان المسيح غير المصنوع بيد الذي يخلع جسم (خطايا) البشرية (كول 2: 11).
بها الخلاص (1 بطر 3: 18)، وبها غسل الخطايا وغفرانها (أع 22: 16؛ أع 2: 38).
لهذا فالمعمودية المسيحية بند إيمان، وهي واحدة لا تتكرر: “ربٌّ واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة” (أفسس 4: 4).
من هنا نفهم ضرورة المعمودية المسيحية للمسيحيين “فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس” (متى 28: 19). لهذا كانت المعمودية تتم بأسرع وقت بعد قبول الإيمان من قبل البالغين (أع 8: 36؛ 9: 18؛ 10: 44؛ 16: 33. ولم تكن مقتصرة على البالغين فقط بل على “جميع أهل بيت” البالغ الذي يقبل الإيمان المسيحي (أع 11: 14؛ 16: 15؛ 16: 33؛ 18: 8)، لأن الموعد هو لجميع المؤمنين ولأولادهم (أع 2: 38-39).
بالنسبة لكتابات الآباء الأولين عن المعمودية ومعانيها، نذكر هنا القديس يوستينوس الشهيد (القرن الثاني الميلادي) الذي يذكر وصفاً للمعمودية المسيحية صار مشهوراً. فهو يجد سلطاناً لاستعمالها في إشَعيا 1: 16-20 “اغتسلوا، تنقّوا، إلخ”، وفي يوحنا 3: 5 “إن كان أحدٌ لا يولد من الماء والروح، إلخ”. النقاط الرئيسة التي يوردها هي أن المعمودية هي اغتسال بالماء باسم الثالوث ولها مفاعيل الولادة الثانية لمغفرة الخطايا؛ وهي استنارة ، وفي حواره
مع اليهودي تريفون يقول إن المعمودية المسيحية هي “حمّام التوبة ومعرفة الله ، وإن الماء الحيّ، الذي وحده فقط يستطيع أن يطهّر التائبين والذي لكونه معمودية بالروح القدس، يوازي بصورة مضادة غسولات اليهود. فالمعمودية هي رحض لا للجسد فقط بل للنفس أيضاً . ويشير إلى أن المعمودية هي ختانة روحية، والمدخل الفريد لمغفرة الخطايا التي تنبأ عنها