الإيكونوموس بندلايمون الخوري والأب ستيفانوس مرجي إلى الفحيص
أكتوبر 13, 2024تذكار القديس ذيونيسيوس الأريوباغي أول أساقفة أثينا الشهيد
أكتوبر 15, 2024مفهوم القداسة في اللاهوت الأرثوذكسي
المقدمة
يشغل مصطلح “القداسة” (ἁγιότης) مكانة عليا في سلم اللاهوت الأرثوذكسي. القداسة هي دعوة مفتوحة لجميع المؤمنين وليست مقتصرة على النخبة الروحية فقط. يجب التمييز بوضوح بين القداسة كدخول في حياة الله (Θεός) بواسطة نعمته (χάρις)، والتي تُعتبر في جوهرها تحقيقَ الإنسان لغرض خلقه “على صورة الله” (تكوين 1:26) ليصبح “على مثاله” (Θεοπτία). تعتمد هذه الدراسة على تحليل الأدبيات اللاهوتية الأرثوذكسية الحديثة والقديمة، مع التركيز على المصادر الكتابية والتقليدية وتفسيرات العلماء الأرثوذكس.
1. القداسة في الكتاب المقدس
1.1 القداسة في العهد الجديد
يفرض الكتاب المقدس، خاصة العهد الجديد، القداسة كأحد الشروط الأساس للخلاص. يقول الرسول بطرس: “كونوا قديسين لأني أنا قدوس” (1 بطرس 1:16). هذا التعبير يتردد على لسان المسيح، ما يجعله دعوة شاملة. في العقيدة الأرثوذكسية، القداسة ليست حالة روحية فردية فقط، بل هي جانب من حياة الجماعة الكنسية بأكملها (Ἐκκλησία).
يعتقد الأب جورج فلوروفسكي، في كتابه Theology and Church، أن القداسة يجب أن تُفهم على أنها دخول في حياة الله من خلال المشاركة الأسرار المقدسة في الكنيسة. ويؤكد فلوروفسكي أن النعمة الإلهية كافية لتحقيق القداسة، ما يجعلها “حالة دائمة وليست شيئًا يتم تحقيقه عبر الدموع في الارتقاء الروحي”.
2. القداسة في اللاهوت الأرثوذكسي التقليدي
يعمق التقليد الأرثوذكسي الفهم اللاهوتي للقداسة ضمن سياق رحلة مستمرة نحو الله. في كتابه Homilies، يصف القديس غريغوريوس بالاماس القداسة بأنها “الشركة مع النور غير المخلوق”. ويتحدث عن قدرة كل إنسان الحصول على التنوير الإلهي من خلال الصعود الروحي والتنقية التدريجية للنفس.
يشير القديس مكاريوس المصري إلى أن القداسة تشمل تجاوز الطاعة للوصايا فقط، والدخول في علاقة مع الله من خلال التفاني النشط والعمل الدائم من أجل الآخرين.
3. الأسرار المقدسة كوسيلة للقداسة
تعتبر الأسرار المقدسة محور الحياة الروحية الأرثوذكسية، وخاصة سر الإفخارستيا، الذي يوصف بأنه “الطريق المقدس للقداسة”. في كتابه The Life in Christ، يؤكد القديس نيقولا كاباسيلاس أن تناول جسد المسيح ودمه هو التعبير العملي عن الحياة المقدسة في هذا العالم. إن المشاركة في الأسرار ليست مجرد طقس، بل هي دعوة للحياة النشطة في الشكر والتوبة.
يشير الأب يوحنا مايندورف، في دراسته للاهوت الأسراري، إلى أن القداسة هي “نتاج النعمة الإلهية الفاعلة”، حيث يلفت الانتباه إلى أن التوبة والاعتراف يحققان التحول الروحي الضروري.
4. القداسة في الحياة اليومية
القداسة في اللاهوت الأرثوذكسي لا تقتصر على الحياة الرهبانية أو الروحية، بل هي دعوة لجميع المؤمنين. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: “القداسة تبدأ في المنزل”، مشيرًا إلى أن القداسة هي عملية تبدأ في الحياة اليومية من خلال الالتزام بالوصايا والمحبة غير المشروطة للآخرين.
5. القداسة والملكوت السماوي
تمثل القداسة طريقًا للوصول إلى الملكوت السماوي، حيث يتحقق عيش الحياة الأبدية مع الله. في كتابه The Orthodox Way، يشير المطران كاليستوس وير إلى أن القداسة ليست هدفًا في حد ذاته، بل وسيلة للوصول إلى “الحياة الأبدية” (ζωὴ αἰώνιος).
الخاتمة
في اللاهوت الأرثوذكسي، ليست القداسة مجرد مفهوم نظري، بل هي نهج حياة يعكس التفاعل المستمر بين الله والإنسان. من خلال الأسرار المقدسة، كسر التوبة الإعتراف ، يسعى المؤمنون لتحقيق القداسة والبقاء في حضرة مجد الله. هذه الرحلة مبنية على دعوة المسيح: “كونوا كاملين كما أن أباكم السماوي كامل” (متى 5 :48).
المراجع
Florovsky, George. Theology and Church. New York: St. Vladimir’s Seminary Press, 1987.
Gregory Palamas. Homilies. Translated by Christopher Veniamin, Mount Thabor Publishing, 2009.
Macarius of Egypt. Spiritual Homilies. Cistercian Publications, 1992.
Nicholas Cabasilas. The Life in Christ. St. Vladimir’s Seminary Press, 1974.
John Meyendorff. Byzantine Theology: Historical Trends and Doctrinal Themes. Fordham University Press, 1974.
John Chrysostom. On Marriage and Family Life. St. Vladimir’s Seminary Press, 1986.
Kallistos Ware. The Orthodox Way. St. Vladimir’s Seminary Press, 1995