الكهنوت الملوكي والكهنوت الخاص
يناير 11, 2024رتب الإكليروس (درجات الكهنوت)
يناير 11, 2024لا يحمل فكر الكنيسة أيّ تمييز أو تضاد بين الكهنة والعلمانيين. فكلاهما ضروري لأنهم أعضاء في الكنيسة التي هي الجسد الواحد، جسد المسيح، ذات الرأس الوحيد الذي هو المسيح نفسه. كلا الكهنة والعلمانيون هم أعضاء في الكنيسة لأنّهم اندمجوا بها بنعمة الله. الكنيسة لم يؤسسها لا الكهنة ولا العلمانيون بل المسيح نفسه. الكنيسة له، وله أيضاً كل الكهنة والعلمانيون، وبالتالي كل معارضة فيما بينهم هي معارضة للمسيح.
التمييز بين الإكليروس والعلمانيين هو تمييز ليتورجي للخدمات ضمن جسد الكنيسة الواحد الذي أقامه السيد نفسه. للأسف، تنشأ في الكثير من الأحيان التعارضات بين بعض أعضاء الكنيسة (الكهنة والعلمانيين) الذين لا يحترمون مؤسس الكنيسة ومؤسساتها المقدّسة ويعرّضون موقعهم فيها للخطر وموقع الكثيرين غيرهم، ربّما عن جهل أو بعض سوء الفهم لطبيعة الكنيسة. فهم ينسون أنّ الكنيسة، بسبب أن المسيح هو إله-إنسان، هي أيضاً جسم إلهي-بشري، وهذا الأمر مرتبط بسرّ الأرثوذكسية العظيم، أي تجسّد الإله الذي تمّ بالبشارة وميلاد ربنا وجلب الخلاص للبشرية والكون بأكمله.
إنهم ينسون أنّ الكنيسة هي فُلك خلاصنا، عامود الحق وأساسه الذي لا تقوى عليه أبواب الجحيم. إنّهم ينسون أنّ الكنيسة تختلف عن كلّ أنواع المؤسسات البشرية التي أوجدها البشر. ليست الكنيسة تجارة ولا جمعية ولا نادياً خاصّاً. إنّها كنيسة المسيح التي نقبلها ونحترمها ونؤمن بها كما نؤمن بالإله الواحد في ثالوث وبابن الله الوحيد الذي صار إنساناً لخلاصنا.
نحن نؤمن بالكنيسة الواحدة الجامعة الرسولية كما يشير إليها دستور الإيمان المسكوني التي ضمنها يتمّ خلاصنا وخلاص العالم (إذ كما يعبّر القديس كبريانوس ” خارج الكنيسة لا خلاص”). ومن الضروري أن نشير إلى موقع الكهنة ضمن جسد المسيح، أي إلى الكهنوت الخاص الذي يتميّز عن كهنوت العلمانيين العام الذي سوف يُعالَج في مقال منفصل.
الكهنوت في الكنيسة
ورد في العهد الجديد أن وعد الله لإبراهيم: “لنسلك أُعطي هذه الأرض” (تك12: 7) يشير الى المسيح (غلا3: 16 – 17) وإلى “أبناء الله في الإيمان بيسوع المسيح” وفي المعمودية المقدّسة (غلا3: 26 – 27، أنظر3: 7 – 9). فهؤلاء هم أحفاد ابراهيم الحقيقيون (تك21: 12، رو9: 6 – 8). ولا يوجد أي إختلاف بينهم، فهم جميعاً متساوون في الكرامة، لأنهم “إنسان واحد في المسيح يسوع” (غلا3: 28، 1كو12: 13، كول3: 11). ما يختلف فيهم هو الخدمة التي يؤديها كل منهم في الجسد الواحد، أي تنوع المواهب التي منها تتشكل وحدة جسد الكنيسة الواحد.
وهذا ما يصفه بولس الرسول بقوله: “إن المواهب على أنواع وأمّا الروح فواحد، وإن الخدمات على أنواع وأما الرب فواحد، وإن الأعمال على أنواع وأما الله الذي يعمل كل شيء في جميع الناس فواحد. لكن كل واحد ويتلقى من تجليات الروح لأجل الخير العام” (1كو12: 4 – 7).
المسيح هو “راعي الخراف” و “المعلّم” الوحيد. ولم يكن مسموحاً أن يدعى أحد “معلّماً” (متى 23: 8) أو “أباً” بالمعنى الذي نسمي به الله أبانا (متى23: 9). ولكن الله جعل خدمَتَيْ “الراعي” و “المعلّم” بين المواهب التي يوزعها بنفسه “ليجعل القديسين أهلاً للقيام بتلك الخدمة التي ترمي الى بناء جسد المسيح” (أف4: 11 – 12، 1كو12: 27 – 29).
وقد اعتُبر الرسل أنفسهم آباء روحيين لأولئك الذين جدّدتهم نعمة الله بواسطة بشارتهم (1كو4: 15، 2كو6: 13، 12: 14، غلا4: 19، فيلمون10، 3يو4، أنظر أيضاً الملوك الرابع 2: 12، 6: 21، 6: 13 – 14). وأوصوا بإكرام العمال الروحيين وطاعتهم (1كو16: 16، فيليبي 2: 29 – 30، 1تس5: 12 – 13، عب13: 17).
ونلاحظ في الذبيحة الفريدة التي قدّمها رئيس الكهنة الوحيد “مرة واحدة والى الأبد” (عب7: 27)، أن الرب يؤكد لتلاميذه أن الخبز والخمر، المباركين في العشاء السرّي، قد تحولا الى جسده ودمه نفسيهما (متى 26: 26 – 28، مر14: 12 – 24، لو22: 19 – 20)، وأنه جعل مساهمة الإنسان في الحياة الأبدية وقفاً على تناول جسده ودمه (يو6: 48 – 49). ولهذا السبب أوصى تلاميذه أن يقيموا هذا السرّ الخلاصي (لو22: 19، 1كو11: 24 – 25).
ولا شك في أن إقامة هذا السرّ تعني تذكاراً وإعلاناً لذبيحة الرب الوحيدة (لو22: 19، 1كو11: 26). ولكن أهميته لا تقتصر على التذكار، كما يدّعي البعض، ففي هذا السرّ المقدّس يتم فعلاً تحوّل الخبز الى جسد الربّ، والخمر الى دمه. ولم يكن لدى الرسل والكنيسة الأولى أي شك في هذه المسألة: “أليست كأس البركة التي نباركها مشاركة في المسيح؟ أليس الخبز الذي نكسره مشاركة في جسد المسيح؟ فنحن جسد واحد لأنه ليس هناك إلا خبز واحد، ونحن على كثرتنا جسد واحد لأننا نشترك في هذا الخبز الواحد” (1كو10: 16 – 17). ولذا أوصى القديس بولس مسيحي مدينة كورنثوس أن يعتبروا الرسل “خدماً للمسيح ووكلاء أسرار الله” (1كو4: 1).
ولكن الربّ أعطى تلاميذه، إضافة الى سلطة إقامة سرّ الشكر الإلهي ، القدرة على حل خطايا البشر أو ربطها (متى 18: 18، يو20: 21 – 23). وفي عرف الكتبة أن الله وحده يملك هذا الحق. وبإمكاننا نحن أن نقبل عرفهم بسهولة، غير أن المسألة تكمن في عدم قبول الكتبة للاهوت المسيح. لذلك ادّعوا أنه قد جدّف لمّا نسب هذا الحق الى نفسه (متى9: 3، مر2: 7).
هذا لا يعني أن المسيح يتخلّى أو يتنازل لأحد عن كهنوته الفريد. فهو يبقى “كاهناً الى الأبد على رتبة ملكيصادق” (مز109، عب7: 21). لكن كل مسيحي يصير عضواً في جسد الرب الواحد الوحيد، بالمعمودية المقدّسة، ويشترك في قداسة المسيح فيتقدس شخصياً، بمساهمته في حياة الكنيسة، فيكون كهنوت البشر اشتراكاً في كهنوت المسيح. وعلى هذا المنوال يغدو الرسل وخلفاؤهم صوراً منظورة لحضور المسيح داخل الكنيسة، فيحققون وحدة جسده.
السلطة الرسولية ليست سلطة شخصية للبشر الذين دعاهم المسيح ليصيروا أدوات نعمته، بل سلطة خدمة ترتبط داخلياً بالكنيسة التي هي “ملء المسيح”. ونرى في الكتاب المقدس إشارة الى هذه السلطة المرتبطة بالمسيح والكنيسة كلها، فقد قال الربّ لتلاميذه: “كما أرسلني الآب أرسلكم” (يو20: 21). و “من قَبِلَكم وسمع كلامكم فقد قَبِلَني وسمع كلامي” (متى10: 40، أنظر لو10: 16، يو13: 20).
لم يشك الرسل مطلقاً في أن الرب هو “الذي يعمل كل شيء في جميع الناس” (1كو12: 6). ويقول الرسول يوحنا بوضوح: “إذا اعترفنا بخطايانا فإنه (المسيح) أمين عادل يغفر لنا الخطايا ويطهرنا من كل إثم” (1يو1: 9، أنظر أمثال28: 13). وإذن، لم يقولوا كلاما خاصاً بهم، بل كانوا يكرزون بكلام المسيح، و “بفمه” (أنظر متى10: 40، 28: 20)، ويتحدثون بما يليه عليهم الروح القدس (1كو2: 13، أع15: 28). ولم تكن سلطتهم ذاتية بل سلطة المسيح نفسه (1يو1: 9)، لذلك فإنهم فعلوا كل شيء باسم المسيح. أو كما قال بولس الرسول: “وأما نحن فلنا فكر المسيح” (1كو2: 16). فكهنوت الرسل كان اشتراكاً في كهنوت المسيح، ووجودهم ضماناً لحضور المسيح وفعالية الروح القدس داخل الكنيسة (1كو12: 3). وهذا هو سرّ حضور الكنيسة العظيم.
موقع الأساقفة في الكنيسة
في الفترة التي تلت العصر الرسولي انتقل موقع الرسل في الكنيسة، كما حدّده الكتاب المقدّس، الى الأساقفة. وقد ذكر إقليمس أسقف روما في أواخر القرن الأول أن الرسل بشّروا “بملكوت الله” وعمّدوا كل من آمن ببشارتهم، ونظموا الكنائسس فأقاموا فيها “أساقفة وشمامسة”. وأضاف ” وهذا ليس بجديد. فمنذ سنوات عديدة كُتب في شأن الأساقفة والشمامسة: إنهم رتبوا أساقفتهم بالعدل وشمامستهم بالإيمان”.
الآية التي يستشهد بها أقليمس موجودة في سِفر أشعياء النبي الذي تحدّث عن مجد أورشليم الجديدة، أي الكنيسة التي ستغدو “فخر الدهور وسرور جيل فجيل” (أش60: 17)، لأن الله يقول “سأجعل وُلاتك سلاماً ومسخّريك عدلاً. فلا يسمع من بعد بالجور في أرضك، ولا بالدمار والحطم في تخومك، بل تدعين أسوارك خلاصاً وأبوابك تسبيحاً” (أش60: 17 – 18).
وشهادة أقليمس ليست الوحيدة في الكنيسة الأولى. فبعد سنوات قليلة يكتب القديس أغناطيوس أن الأساقفة يقومون “مقام الله” ويحاطون بالشيوخ (الكهنة) الذين يطلق عليهم اسم “مجمع الله” لأنهم “في مقام مجمع الرسل” : أيها الأساقفة اعتنوا بالكهنة والشمامسة… إقتدوا بيسوع المسيح مثلما اقتدى هو بأبيه”.
كانت سلطة الأسقف في الكنيسة الأولى سلطة المسيح والكنيسة ولم تكن سلطة شخصية. وكما أن الرسل كان لديهم “فكر المسيح” (1كو2: 16)، والقرارات التي كانوا يتّخذونها في المسائل الكنسية تتم بإرشاد الروح القدس (أع15: 28) وليس من لدنهم، فإن القديس إغناطيوس يعتبر أن الرسل كان لديهم “رأي يسوع المسيح”، أي أنهم لم يفرضوا وجهات نظرهم الذاتية بل أظهروا دائماً رأي المسيح يسوع: “أحرصوا إذاً على أن تثبتوا تعليم الرب والرسل، لكي يتوّج بالنجاح كل ما تصنعونه”.
إن الأسقف المُقام داخل جسد الكنيسة لا يعبّر عن رأي المسيح وحسب، بل يُظهر أيضاً الأسقف الوحيد غير المنظور، يسوع المسيح، ويكون ضمانة لهذا الظهور. فهو الذي يُظهر المسيح الربّ في أسرار الكنيسة، وفعالية نعمة الروح القدس داخل الكنيسة كلها. لذا يقول القديس أغناطيوس: “حيثما يظهر الأسقف فهناك يكون الشعب، وحيثما يكون المسيح فهناك تكون الكنيسة الجامعة”. ويضيف أن الشيء الوحيد الثابت والمضمون إنما هو “الإكليل الروحي”، أي سرّ الشكر الذي يقيمه الأسقف أو من يكلّفه بذلك من الكهنة.
لكن إمتيازات الأسقف لا ترفعه فوق الكنيسة، بل يبقى دائماً في داخل شعب الله الذي يشكل، مع المسيح، الكنيسة بأجمعها. ويذكر أحد اللاهوتيين الأرثوذكسيين المعاصرين أن حقيقة الأسقف هي حقيقة الكنيسة، وأن خدمته هي خدمة داخل الكنيسة. فالأسقف والمؤمنون يشكّلون وحدة عضوية لا يمكن أن تنفصم: “من دون الأسقف لا يوجد مؤمنون أرثوذكسيون، ومن دون المؤمنين الأرثوذكسيين لا يوجد أسقف. أما القديس كبريانوس فيقول: “إن الأسقف يكون في الكنيسة، والكنيسة تكون في الأسقف”، ويكتب الى كهنة كنيسته ذاكراً لهم أنه لا يصنع شيئاً من دون استثارتهم وبغير موافقة الشعب، فيذكّرنا بتلك العبارة الجميلة الواردة في أعمال الرسل: :كانت جماعة المؤمنين (في الكنيسة الأولى) قلباً واحداً ونفساً واحدة” (أع4: 32).
من هذه الأقوال كلها نخلص الى أن الأسقف مدعو دائماً الى إدراك علاقته بجسد الكنيسة، ولا سيّما بالمسيح الذي هو رأسها، حتى يكون دائماً “في رأي يسوع المسيح” (إغناطيوس الإنطاكي، أنظر1كو2: 16، أع15: 28)، أي رجل محبة وخادماً للجميع على مثال المسيح (متى20: 26 – 28، 23: 11، مر9: 35، 10: 43 – 44، لو22: 2). لأنه “إذا كنت أنا الربّ والمعلّم قد غسلتُ أقدامكم، فيجب عليكم أنتم أيضاً أن يغسل بعضكم أقدام بعض. فقد جعلت لكم من نفسي قدوة لتصنعوا ما صنعت إليكم” (يو13: 14 – 15).
الأسقف مدعو إذاً الى أن يكون، في عمله الأسقفي، خادماً للجميع، فيأخذ بيد الإنسان الضعيف الذي يعاني ويصير أباً له. فأسلحته وقواه ليست على غرار مثيلاتها عند سلاطين هذا العالم. لأنه مدع الى أن يسيطر بالمحبة والإقناع والشهادة. “أرعوا قطيع الله الذي وُكل إليكم واحرسوه طوعاً لا كرأهاً، كما يريد الله، لا رغبة في مكسب خسيس بل لما فيكم من حميّة. ولا تتسلّطوا على الذين هم في رعيتكم، بل كونوا قدوة للقطيع. ومتى ظهر راعي الرعاة تنالون إكليلاً من المجد لا يذوي” (1بط5: 2 – 4، أنظر حز34: 1 – 31).
أثناء رسامة الأسقف يبتهل مترئس الخدمة: “…أنت، أيها المسيح، إجعل هذا أيضاً مدبّراً لنعمتك الكهنوتية. إجعله مقتدياً بك أنت الراعي الحقيقي، واضعاً نفسه من أجل خرافه. ليكون قائداً للعميان ونوراً للذين في الظلمة ومربّياً للأيتام ومعلّماً للأطفال وكوكباً في العالم…. لأن لك أن ترحمنا وتخلصنا يا الله…”.
التسلسل الرسولي
إذا كان الأسقف ضمانة لحضور المسيح داخل الكنيسة، فهذا يعني نظاماً دائماً وليس حضوراً آنياً وحسب، لأن المسيح يبقى معنا “الى إنقضاء الدهر” (متى 28: 20). ولكن، ما هو المقياس الذي يؤمّن استمرار الرتبة الأسقفية ويمنع كل زيف في هذا المجال؟ إنه التسلسل الرسولي، أي كون الرسامة الأسقفية حاصلة دائماً على أساس الرسل. وهذا ما يمكن تسميته هيكل الكنيسة التي يبقى المسيح باستمرار رأساً لها.
التسلسل الرسولي هو الوسيلة التي تحافظ، عبر الدهور، على هوية جسد الكنيسة وعلى وحدته. وهذا التسلسل ليس ابتداعاً متأخر، بل يمثّل إرادة المسيح والرسل، كما يظهر في كتاب العهد الجديد، حيث نرى الرسل يبشّرون في مناطق مختلفة ويعمّدون كل من يؤمن ببشارتهم، وينظّمون حياة الكنائس التي يؤسسون، فينتخبون من بين المؤمنين شخصاً قادراً ومؤهلاً، ويجعلونه على رأس الكنيسة المحلية. ثم يوصونه أن يختار بدوره عدداً آخرا من المؤمنين المؤهلين، فيقيمهم “كهنة وشمامسة”. وهكذا اختار بولس الرسول تيطس وأقامه على كنيسة كريت، ثم كتب إليه: “تركتك في كريت لتتم فيها تنظيم الأمور وتقيم كهنة في كل بلدة كما أوصيتك” (تيطس1: 5). ثم يعدّد له الشروط التي ينبغي أن تتوفر في كل أسقف (تيطس1: 6…). أما تيموثاوس فتركه الرسول في أفسس، ثم نبهه الى أن “يحيي الهبة التي جعلها الله له بوضع اليد (يد بولس)” (2تيم1: 6، أنظر1تيم4: 14).
إذن، فقد أقام الرسل في الكنائس المحليّة أشخاصاً مسؤولين، وأوكلوا إليهم العناية بالمؤمنين ورعايتهم. وقد أقاموهم بالرسامة التي تمنح “نعمة الله”، وتفرض على المرسوم أن ينقلها بدوره الى الآخرين بالطريقة التي تعلّمها من الرسل: “كما أوصيتك” (تيطس1: 5). وهذه الرسامة لم تكن احتفالاً بسيطاً، بل كانت لها صفة النعمة الأسرارية، لذلك يطلب بولس الرسول من تيموثاوس: “لا تعجّل في وضع يدك على أحد” (ت1تيم5: 22، أنظرأع14: 23، 20: 28).
التسلسل الرسولي هو نقل “نعمة الله” من الرسل الى رؤساء الكنائس، ومنهم الى الآخرين، على أساس سلسلة متواصلة لم تنقطع حتى اليوم. وهكذا فإن كهنوت أساقفة كنيستنا الأرثوذكسية الحاليين وسائر الإكليركيين يعود الى الرسل، ومنهم الى المسيح نفسه. فوحدة الكنيسة قائمة على سمات وعلامات منظورة، مما يؤكد استمراريتها وعدم وقوعها في خطر الضلال عند ظهور البدع والهرطقات.
الأسقف شخص محدّد حقيقي يمكن لكل إنسان أن يتأكد من اتحاده بالكنيسة عبر القرون والأجيال، لأنه يشهد على ظهور المسيح المتواصل وعلى وحدة الكنيسة الدائمة. فإذا علمنا من هو الأسقف نستطيع أن نعرف أين هي أسرار الكنيسة المقدّسة، وأين هي الكنيسة الحقيقية.
وكما أن المسيح قد وضع الرسل الى جانبه، فإن الأسقف، الذي هو صورة المسيح المنظورة، يكون محاطاً بالكهنة والشمامسة. وبهم يتحد شعب الله كله في وحدة لا تنفصم، فتتألف الكنيسة منهم جميعاً، ويكون المسيح على رأسها.