هل خدمة الذّكرانيّات مفيدة
يناير 11, 2024ما معنى ليكن ذكره مؤبداً
يناير 11, 2024الجوابُ موجودٌ في كلمة الله الجَلِيّة. كما أنّ آباء الكنيسة يقدّمون الجواب عَينه. فهم يُشَدّدون على أنّ هَذِهِ الحياة هي عبارةٌ عن جهادٍ بينما الحياة الآتية تشكّل الحِساب الأخير.
يُشيرُ القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفم بوضوحٍ: “لا نَبْكينَّ على الّذين ماتوا، بل على الّذين هم في حالة الخطيئة. تَستَحِقُ هذِهِ النّفوس الرّثاء، النّحيب والدّموع. فَلَو كانوا على قَيدِ الحياة، لكان لدينا رجاءٌ بأن يتَغَيّروا ويتحسّنوا. لا أحد يَستَطيعُ أن يَتوبَ بعد أن يُغادِرَ هذه الحياة. كما لا يستطيعُ الرّياضيُّ أن يُنافسَ بعدَ انتهاءِ المباراة، بعد خروج المنافسين من الملعب وتفرّق الجمهور… لدينا رجاءٌ طالما نحن هنا. عندما نُغادِر هذه الحياة، لا يَعود بِمَقدورِنا أن نَتوبَ، نخسر فرصة التّوبة إذ لا يمكن لخطايانا أن تُغتَفَر. لأجل هذا السّبب، يَجِبُ علينا أن نُهيّئ أنفسَنا بشكلٍ مستمرٍّ من أجلِ رحيلنا…
لكن، علاوةً على ذلك، في هَذِهِ الحالاتِ الصّعبة، لا يَدَعُنا آباءُ الكنيسة القدّيسون يائسين.
يَذْكُرُ القدّيسُ أثناسيوس الكبير بِخصوص هذا الموضوع بأنّ النّفوس الخاطِئة تَتَلَقّى منفعةً مِن هَذِهِ التّقدمات. فهي تتمّ بعنايةِ وأمرِ إلهِنا الّذي لَدَيه سلطانٌ على الأحياء والأموات. تُتْرَكُ هَذِهِ المسألة للعنايةِ الإلهيّة.
مع أنّ القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفم كان قاسيًا في تعالِيمِهِ السّابق ذِكرُها، إلّا أنّه يَظْهَرُ شديد الرّأفة عندما يَتعلّقُ الأمرُ بهذا الموضوع. فَيُشَدِّدُ قائلاً: “فلنُساعدُ هَذِهِ النّفوس بِقَدْرِ ما نَستَطيع، ونُقَدِّمُ لَهُا مساعدةً صغيرةً.” كيف وبأيّة طريقة؟ يُجيب: “يَجِبُ علينا نَحنُ أن نُصلّي وأن نَطلبَ من الآخرين الصّلاة من أجلِهم. وأن نُقَدِّمَ أعمال الإحسان مع التّضرعات من أجلِ الّذين رقدوا وهم لا يزالونَ في حالةِ الخطيئة. نُتَمِّمُ كلّ هذا كي يَحْظَى الأموات بالتّعزية. فإذا كان أولاد أيوب قد تَنَقَّوا بِفَضلِ ذبائحِ والدِهم، فلماذا نَشكِّك بأنّ الأموات لا يَسْتَفِيدُون من صلواتِنا وأعمالِنا الخيريّة.
علاوةً على ذلك، القدّيس كيرلّس الأورشليميّ هو أكثر حَزمًا وأكثر تعزيةً من القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفم فيما يتعلّقُ بهذه المسألة.
فيسأل التّالي: “كيفَ يُمكِنُ للنّفسِ الّتي انتقلت بخطايا كثيرة أن تستفيد؟ فيُجيبُ مُستَنِدًا إلى المثل التّالي: “لنَتَخَيّلْ مَلِكًا قامَ بِنَفي كلّ المواطنين الّذين ثاروا ضدّه. فتَرَجَّى أَصْدِقاءُ المنفيّين المَلِكَ وتوسّلوا إليه، كما أنّهم أحضَروا لَهُ تاجًا وقَدّموهُ لَهُ كهديةٍ نيابةً عن المنفيّين.” فَيَسْأَلُ القدّيس: “هل يُمكن لِلملك ألّا يَستجيب إلى توسّلاتهم وألّا يَمنح المنفيّين العفو من الجحيم؟”، ويُكمل: “بالطّريقةِ نفسها، عندما نُصلّي إلى الله من أجلِ المُنتَقِلين عنّا (بالرّغمِ من أنَّهم خطاة)، فنحن لا نُقَدِّمُ أكاليل، إنّما “نُقَدِّمُ المسيح المصلوب من أجل مغفرة الخطايا، طالبين وحائزين على المغفرة، لنا وللمنتقِلين عنّا، من إلهنا الصّالح.”
مَن الّذي يَسْتَطيع أن يَعرِفَ من رَحَلَ عن هذه الحياة وهو في حالةِ توبة، ومن رحل بدون توبة؟ ومن يَستَطيع أن يَتأكّد بأنّه عارِفٌ بالقلوب ويطلق الأحكام المُسبَقة على النّاس إخوته ؟ إلى أيّ درجةٍ نَعرفُ الوقتَ الّذي يَستَغرقه السّقوطُ من الجسرِ إلى النّهر؟ هل هو كافٍ حتّى يتمكّن الإنسان من القول: “اذكرني يا ربّ متى أتيتَ في ملكوتك.” أو “يا ربّ ارحم”؟ يُحَرِّمُ تدبيرالله إدانة أيّ شخص. لذلك دعونا نعمل كلّ ما في وسعنا كي نساعد أخينا الإنسان قدر الإمكان ونترك الباقي لمحبّة الله وإحساناته اللامحدودة لأجل هذا، لا تحكم كنيستنا مُسبقًا على أيّ شخصٍ، لكنّها تقدّم محبّتها لجميع أعضائها.