أحد المرأة السامريّة
ديسمبر 29, 2023سر الكهنوت
ديسمبر 29, 2023كان المسيح ولا يزال هو الرجاء الوحيد والثابت لكل إنسان. إنه يطرد كل حزن ويزيل كل آلام الإنسان، إذ ليس هناك من أحد أحب الإنسان لدرجة أنه حرّره من كل خوف مثلما فعل المسيح.
في القدس، في منطقة بركة الغنم، في بيت حسدا المختارة، حدثت معجزة شفاء المفلوج، الذي حمل صليب مرضه لمدة 38 سَنة كاملة.
لقد قادته خطيئته إلى قطع علاقته بالله مما أدى به إلى هذا الحال، هذا ما تفعله بنا الخطيئة بحسب ما نستنتجه من نص الإنجيل. وفي حين كان هذا الإنسان المريض واضعاً جُلَّ رجائه على البشر إلّا أنهم لم يزرعوا فيه سوى خيبة الأمل والياًس والوحدة، لكنه وبالرغم من ذلك لم يفقد رجاءه من إيجاد من يلقيه في البركة يوماً ما، فانتظر بصبر لينال الشفاء. وهنا حدثت المعجزة، لقد جاء من يفتقده، إذ أن االله لم يتركه، إنه الله الكلمة المسيح المخلِّص: “بَعْدَ ذلِكَ وَجَدَهُ يَسُوعُ فِي الْهَيْكَلِ وَقَالَ لَهُ: «هَا أَنْتَ قَدْ بَرِئْتَ، فَلاَ تُخْطِئْ أَيْضًا، لِئَلاَّ يَكُونَ لَكَ أَشَرُّ».” (يو 5: 14).
هنا نجد أن حضور الرب الفدائي قد شفى حقاً جسد ونفس المفلوج، وها قد صار بإمكاننا نحن أيضاً الوصول إلى الله كما حدث مع المفلوج، ولكن من خلال نعمته وقدرته غير المخلوقة، والتي هي جزء من وجوده الإلهي. لقد صار بإمكان الإنسان حقيقة أن يقابل الله، ولكن هذا اللقاء يتم بطريقة نسكيّة، أي أنه يتم في القلب، ويكون شبيهاً باللقاء الذي حدث بين المفلوج والمسيح.
لذا، فإن البحث عن الله لا يمكن أن يتم من خلال عقلنا البشري فقط دون مشاركة بقية كياننا الإنساني، أي يجب أن يشترك الإنسان كله غير القابل للتجزئة (عقلاً ونفساً وجسداً) في طلب اللقاء بالله، ومركز هذا الجهد هو قلب الإنسان .
وعلينا أن نعي بأنه لا يمكن للإنسان أن يلتقي بالله ما دام الشيطان قاطناً في قلبه ومسيطراً عليه، لذا يجب أن يكون همُّنا الوحيد هو أن نعيش حياة المسيح، وأن نكون تلاميذه، وأن نتوقف عن ارتباطنا بالخطيئة ونتحرَّر من أَسْرِها. “أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ. وَالْعَبْدُ لاَ يَبْقَى فِي الْبَيْتِ إِلَى الأَبَدِ، أَمَّا الابْنُ فَيَبْقَى إِلَى الأَبَدِ. فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا.” (يو 8: 34-36).
هذه هي الحرّية التي منحها الرب للمفلوج ويمنحها أيضاً لكل منّا، أي لكل من يسعى إلى أن يصير ابنًا لله ويسكن إلى الأبد في بيت أبيه. بالطبع، ان صلاتنا من أجل هذا الأمر لا تتحقق في الحال، إذ ليس من السهل علينا حفظ ذاكرة الله في قلوبنا ونحن محاطون بعالم مليء بالأهواء وبعيدين عن الصلاة وحياة الإفخارستية، لذا علينا أن نثابر بالجهاد الروحي الدائم كي ننال ما نطلبه بالصلاة.
الصلاة تنقل العقل والقلب إلى الأبدية، والأمر الوحيد الذي يهمّنا في الصلاة هو كيف نكون مستحقين أن نحيا حياة الله، ولكن هذا لا يعني أن نحيا حياة سلبية معتكفين عن إخوتنا، أو أن تكون علاقتنا فردية عمودية مع الله. على العكس من ذلك ، فإن رجل الصلاة هو الذي يعانق بصلواته جميع الناس وكل الخليقة والعالم بأسره.
إن روح الصلاة تجعلنا نسيطر على جميع أهوائنا وليس على الآخرين، فتجعلنا أناساً محِبِّين وذوي رحمة وعطف وتفهُّم ولطف. إنها تجعلنا كالرب الذي سمع شكوى المفلوج فشفاه وخلَّصه.
الصلاة ترافقنا بالفرح وترافقنا أثناء التجارب والمحن، وخلال رحلتنا في الجهاد هي رجاؤنا وفرحنا.