أحد مرفع الجبن
ديسمبر 29, 2023أحد المرأة السامريّة
ديسمبر 29, 2023في الأحد الثالث بعد عيد الفصح، والمعروف أيضًا باسم أحد حاملات الطيب، تقدِّم كنيستنا المقدسة الأشخاص الذين لهم دورًا هاماً في أحداث قيامة ربنا يسوع المسيح. هؤلاء الأشخاص الذين يجب أن يكونوا لوحات إرشادية لطريق حياتنا ويجب علينا الاقتداء بهم والسير في إثرهم، لأنهم قدّموا أعمالاً وأفعالاً جريئة تنمُّ عن شجاعة ومحبة وإقدام، والتي تعتَبَر عنصراً أساسياً لابد من وجودها في شخصية كل شخص منا.
هؤلاء الأشخاص هم النسوة حاملات الطيب، اللواتي كنَّ مؤمنات وتلميذات مخلصات للمسيح، كما هو الحال مع يوسف الرامي ونيقوديموس المشير، الشاهدين على دفن الرب، اللّذين طلبا جسد يسوع من الحاكم بيلاطس البنطي ودفناه في قبر أحدهما الشخصي (قبر يوسف الرامي): “إن يوسف النقي أحدر جسدك الطاهرمن العود ولفّه بكتّان ووضعه في قبرٍ جديد”. كانت السمة المشتركة لجميع هؤلاء الأشخاص هي جرأتهم وشجاعتهم.
جاء يوسف من الرامة (مدينة في يهودا كانت تقع شمال غرب مدينة القدس)، وهو شخصية بارزة في المجتمع اليهودي، وكان “صالحاً وباراً” و كان تلميذاً سرِّياً ليسوع لأنه كان مستتراً خوفاً من اليهود. وفقًا لكلمات الإنجيلي مرقس: “جَاءَ يُوسُفُ الَّذِي مِنَ الرَّامَةِ، مُشِيرٌ شَرِيفٌ، وَكَانَ هُوَ أَيْضًا مُنْتَظِرًا مَلَكُوتَ اللهِ، فَتَجَاسَرَ وَدَخَلَ إِلَى بِيلاَطُسَ وَطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ.” (مر 15: 43).
لكن يوسف الرامي دخل في خطر أكبر عندما قرر أن يأخذ جسد الرب في الوقت الذي تبعثر فيه أقرب الناس ليسوع، وهم تلاميذه المقربون، لأن الذئاب اليهوديَّة التي قتلت الراعي كانت مستعدة في أية لحظة لمهاجمة القطيع أيضًا، ليشتتوا الرعيَّة. نلاحظ ان ما فعله يوسف كان خطيرًا، حسبما أشار إليه الإنجيلي بكلمة “تجرَّأ”.
ونيقوديموس كان فريسيًا، وكان رئيساً لليهود، وعضوًا له مكانته في المَجمَع العظيم ومعلمًا لإسرائيل. أمام المجمع اليهودي، دافع نيقوديموس عن يسوع ومن أجل ذلك دعاه اليهود بالجليلي. هذه الشهادة محفوظة في الإنجيل بحسب (يوحنا 7: 50 – 51) “قَالَ لَهُمْ نِيقُودِيمُوسُ، الَّذِي جَاءَ إِلَيْهِ لَيْلًا، وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ: «أَلَعَلَّ نَامُوسَنَا يَدِينُ إِنْسَانًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ أَوَّلًا وَيَعْرِفْ مَاذَا فَعَلَ؟» أَجَابُوا وَقَالوُا لَهُ: «أَلَعَلَّكَ أَنْتَ أَيْضًا مِنَ الْجَلِيلِ؟ فَتِّشْ وَانْظُرْ! إِنَّهُ لَمْ يَقُمْ نَبِيٌّ مِنَ الْجَلِيلِ»”.
وأيضًا، يخبرنا الإنجيلي نفسه عن اللقاء ليليًا بين نيقوديموس ويسوع والحوار الذي أُجري بينهما حول ولادة الإنسان بقوة الروح القدس .
كانت مهمة الرجُلين هي دفن جسد يسوع في قبرهما الجديد، ولكن لأنه كان يوم الجمعة وكان عيد الفصح اليهودي يقترب والواقع في يوم السبت، فقد دفنوا جسد الرب على عجل دون أن يطيِّبوه بالحنوط. لم يكن يوسف ونيقوديموس مجرَّد صديقين للمسيح فقط، فهما قد رأيا بأم عينيهما أن يسوع مات ودُفن، فهما شاهدا حق للذي أحبّاه، لذا كان الاعتناء بالرب الميت عملاً محببًا لصديقهما المحبوب وسيدهما، ولكنهما أيضًا قاما بواجبهما الإنساني تجاهه، هذا الذي تجرَّع الآلام من أجل البر والحق.
كان هناك العديد من النساء اللواتي يحملن الطيب، وكان أهمهنَّ سبعة:
مريم المجدلية، سالومي، يوانَّا زوجة خوزا رئيس أملاك هيرودس، مريم ومارثا أخوات لعازر، مريم زوجة كليوبا التي صارت زوجة يوسف النجّار بعد وفاة أخيه، وسوسانا بجانب صليب يسوع. كان هناك كثيرون آخرون، كما يقول الإنجيليان لوقا ومتى، لكن لم يكن هناك سبب لكتابة أسمائهن.
كانت مهمتهن هي دهن جسد يسوع بالطيوب، كما جرت العادة بأن يدهنوا الموتى بالمر في تلك السنوات. لذلك أخذن القرار العظيم بزيارة قبر الرب في اليوم التالي للعيد ، بعد يوم واحد من يوم السبت من عيد الفصح اليهودي. لذلك، “بعد السبت” وحتى قبل ضوء النهار “العميق”، شرعوا في زيارة القبر. لم يكن في قلوبهن خوف ولا قلق، بل كنَّ يمتلكنَ فقط الشجاعة التي كان مصدرها محبتهن للمسيح. وإذ ويا للعجب! رأين القبر فارغاً وشهدن معجزة قيام المسيح من بين الأموات. وأصبحن أول من علِم أن المسيح قد قام، ولم يعلَموا ذلك فحسب، بل رأوا المسيح القائم من بين الأموات كشكل من أشكال المكافأة على محبتهن وإيمانهن وشجاعتهن.
ترسل حاملات الطيب بعض الرسائل لكل واحد منا:
الرسالة الأولى هي: أن نعترف باسم الرب وبأننا تلاميذه دون أن نخجل أو نتردد في الاعتراف. الرسالة الثانية هي: أن نُقِر بإيماننا، أي أن نؤمن ونضع رجاءنا في عناية الرب.
الرسالة الثالثة هي: أن نتعلَّم منهنَّ الشجاعة والإقدام.
بينما تلاميذ الرب كانوا مختبئين من الخوف، لذلك لم يستحقوا أن يكونوا أول من عرف بقيامة الرب وأن يكونوا أول شهود لقيامته. على عكس حاملات الطيب اللواتي آمنَّ وتشجعنَ وتجرأنَ بأن يكنَّ أول من يرى وأول من ينقل رسالة القيامة إلى العالم.
فلنقتدِ بمثالهن وشجاعتهن حتى تغمر أرواحنا أيضًا بنور القيامة الذي سنشهد له يوميًا من خلال أسلوب وطريقة حياتنا اليومية حتى آخر لحظة من أنفاسنا الأخيرة. لذلك، لندعُ الرب القائم من بين الأموات أن يؤهِّلنا للتمتُّع جميعًا بفرح قيامته الحقيقي والدائم، وأن نكون شهودًا على قيامتنا أيضًا.