
المطرانُ خريستوفوروس يستقبلُ المهنّئين
مارس 3, 2025
بيان صادر عن بطريركية الروم الأرثوذكس المقدسية
مارس 6, 2025أيها الأحباء في المسيح،
نستقبل الصوم الأربعيني المقدس كزمن نعمةٍ وبركةٍ، حيث تدعونا الكنيسة للدخول في عمق الشركة مع الله، وترك الاهتمامات الدنيوية التي تبعدنا عن نور وجهه. إنه زمن التوبة، والصلاة، والتواضع، حيث نكسر قيود الجسد لكي تتحرر أرواحنا وتنطلق إلى السماء.
الصوم: جهادٌ روحيٌ وطريقٌ إلى القيامة
كما صام الرب يسوع المسيح أربعين يومًا في البرية ليُعلن انتصاره على الشيطان، كذلك نحن مدعوون أن نحمل سلاح الصوم، لا كعبءٍ ثقيل، بل كوسيلة نصرة روحية. فالصوم ليس مجرد امتناع عن الطعام، بل هو كبح للأهواء، وتنقيةٌ للذهن، وانفتاح على نعمة الله.
يقول القديس باسيليوس الكبير:
“إذا صمت، فليكن صومك ليس فقط عن الطعام، بل عن الغضب، والشهوة، والتذمر، والكلام الباطل، وكل فكرٍ رديءٍ.”
إذن، الصوم ليس حرمانًا بل تحررًا، ليس انغلاقًا بل انفتاحًا على النور الإلهي، وليس ضعفًا بل قوة تمنحنا نصرةً على أعدائنا الروحيين.
محاربة الأفكار الدنيوية: جهاد العقل والقلب
أيها الأحباء، يعلمنا الآباء القديسون أن معركة الصوم ليست فقط في الجسد، بل في العقل والقلب. فالشيطان قد لا يهاجمنا بالجوع، لكنه يملأ عقولنا بأفكارٍ باطلةٍ، ويجعلنا نميل إلى الكسل الروحي، والبحث عن الملذات، والوقوع في اليأس. لهذا، يدعونا الرسول بولس قائلاً:
“البسوا سلاح الله الكامل، لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس” (أفسس 6: 11).
إن محاربة الأفكار الدنيوية تبدأ بالصلاة المستمرة، وقراءة الكتاب المقدس، والمواظبة على حضور الصلوات، والتناول من جسد الرب ودمه. فعندما يهاجمنا الفكر الشرير، نصرخ مثل بطرس قائلين: “يارب، نجني!” وحينها يمد الرب يده ليقيمنا من ضعفنا
ربما يشعر البعض بأن الصوم صعب، وأن التجارب تزداد. لكن تذكروا، أيها الأحباء، أن كل جهادٍ روحيٍ له ثماره. فإن كان الجوع يضايق الجسد، فإن الروح تتقوى. وإن كان الصوم يبدو طريقًا ضيقًا، فهو يقود إلى فرح القيامة. وإن كانت الأفكار تحاربنا، فإن المسيح نفسه يحارب معنا.
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم:
“إن الشيطان يخاف من الإنسان الذي يصلي ويصوم، لأنه يرى فيه صورة المسيح المنتصر في البرية.”
فإن كنت تخاف من ضعفك، ثق أن الرب معك. وإن شعرت بالضيق، ارفع قلبك بالصلاة. وإن واجهت أفكارًا دنيوية، استخدم كلمة الله كسيفٍ يطرد الظلمة، وردد مع المرنم:
“الرب نوري وخلاصي، ممن أخاف؟” (مزمور 27: 1).
أيها الأحباء، لنجعل هذا الصوم زمن توبةٍ وفرحٍ، لا زمن حزنٍ وكآبة. فلنصم بفرح، ولنجاهد برجاء، لأن المسيح الذي صام وانتصر، هو نفسه الذي يسير معنا، ويقوينا، ويمنحنا في النهاية بهجة القيامة.
“صومًا مقبولًا، وجهادًا مباركًا، وفرحاً روحيًا نطلبه من المسيح القائم من بين الأموات!”
وكل عام وانتم بخير