تذكارُ القدّيسَين قسطنطين وهيلانة المعادلا الرّسل
مايو 3, 2024القيامة في جبل آثوس
مايو 4, 2024أحد العنصرة هو عيدٌ عظيمٌ، وله أهمية في الكنيسة الأرثوذكسية كونه له علاقة مباشرة مع خلاص الإنسان وما قدّمه الله من قدراته للبشر من خلال التجسُّد والعمّاد والآلام والصلب والقيامة والصعود.
ما معنى كلمة عنصرة؟
إن كلمة عنصرة تعني الاجتماع، حيث كان الرسل مجتمعين في علّية صهيون حين حلّ الروح القدس على التلاميذ والعذراء أيضاً التي كانت معهم.
لقد أعطى الله مهلة عشرة أيام للرسل من بعد الأربعين، كي يصلّوا وتتنقى نفوسهم أكثر تهيئة لتقبّلهم حلول الروح القدس عليهم في يوم الخمسين.
(أعمال الرسل 2: 1 – 4) “وَلَمَّا حَضَرَ يَوْمُ الْخَمْسِينَ كَانَ الْجَمِيعُ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَصَارَ بَغْتَةً مِنَ السَّمَاءِ صَوْتٌ كَمَا مِنْ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ وَمَلأَ كُلَّ الْبَيْتِ حَيْثُ كَانُوا جَالِسِينَ، وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا”.
كلمة ملأ البيت: أي أن البيت (علّية صهيون) صار جرن المعمودية الذي اعتمد فيه الرسل.
ما يميِّز يوم الخمسين بأنه هو كمال الروحانيات في عالمنا الحاضر، لأن ما حدث في هذا اليوم هو الإعلان الكامل للّه الخالق المثلّث الأقانيم . لقد بدأ الروح القدس بإعلاناته منذ العهد القديم بدءاً بالإعلان عن الآب في العهد القديم ومن ثم تجسّد الابن في العهد الجديد. أيضاً في هذا اليوم (العنصرة) تم الإعلان الكامل لله عن الروح القدس. أي أن الرسل وصلوا إلى قمة المعرفة الإنسانية حول المعرفة الإلهية.
أولاً: كان الروح القدس في العهد القديم يحلُّ على أناس معيّنين بشكل مؤقت ولهدف معين ضمن زمن محدد وفي مكان معيّن.
ثانياً: حل الروح القدس على التلاميذ في حادثة التجلي وعرفوا بالروح القدس موسى وإيليا واستطاعوا أن يروا المسيح ليس بعيونهم المجردة وإنما بعيون قلوبهم بدخولهم في نعمة الروح القدس وأن يروا مجد الله. لكنهم في هذه الأثناء أيضاً ما زالوا خارج جسد المسيح كونهم لم يصيروا بعد أعضاء في جسد المسيح بحسب تعليم القديس غريغوريوس بالاماس.
ثالثاً: في العنصرة لما حل الروح القدس عليهم جميعاً حينها أصبحوا أعضاء في جسد المسيح،
وبالتالي حلول الروح القدس في العهد الجديد يبقى مستمراً ويقدس المسيحيين من خلال الأسرار المقدسة.
عرفوا الروح القدس ليس من خلال قدراته فحسب وإنما عرفوه بأنه إقنوم إلهي متميّز ومساوٍ للآب والابن في الجوهر، فكما يقول الرب: “وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّيًا آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ،” (يو 14: 16)، لقد وصف الروح القدس بالمعزّي الآخر كونه هو المعزِّي الأول، لذا فالروح القدس هو شخص مثلما هو الابن، وبحلوله على التلاميذ قادهم إلى كل الحقيقة التي اخبرهم عنها الرب: “وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ، لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ.” (يو 16: 13).
في هذا اليوم حصل الرسل على الخبرة الحقيقية عن الله الثالوث، هذه هي الحقيقة المعلنة في يوم الخمسين. ان كمال الإعلان الإلهي الحق كإله مثلّث الأقانيم مرتبط ارتباطاً وثيقاً بعملية التدبير الإلهي لشفائنا روحياً.
إنه لمن المعروف أن الإنسان قد خُلق من الله المثلّث الأقانيم صحيحاً وسالماً نفساً وجسداً، الصحة للإنسان تعني أن يحيا ضمن حدوده الطبيعية بحسب ما خلقه عليها الخالق. إن عصيان الإنسان لله قاده أن يتصرف كيانياً خارج طبيعته، وأن يحيا خارج طبيعته. وهذا ما نعني به المرض الروحي أي حياة الخطيئة وما لها من نتائج ساحقة مثل الفساد والموت.
الإنسان بالسقوط يعرف أو لا يعرف بأنه يحيا هذه الحياة التراجيدية المحزنة، ويصبح يحيا تراجيدياً روحياً أي الحالة المرضية، أي حالة الموت والفناء، وبالتالي أهم ما يحتاجه هو الشفاء الروحي، ولأن هذه الحالة المرضية لا يستطيع أن يشفيها إي إنسان لأن شافيها فقط هو الله الخالق من خلال تجسّده وأخذِه لطبيعتنا البشرية، وهذا ما يقوله القديس يوحنا الدمشقي:
“إن المسيح قد أخذني بكاملي وكله قد اتحد فيّ كي يمنحنا الخلاص الكامل” (مقاله 3: 6) وهذا يجب القديس غريغوريوس اللاهوتي : “الشيء الذي لا يؤخَذ لا يُشفى” (الرسالة اللاهوتية 1: 32.
إن هذا التعليم حول الشفاء الروحي للإنسان من قبل الله تكون على درجات وتمرُّ في ثلاث مراحل وهي: التنقية والاستنارة والتأله.
وكمال الشفاء الروحي للإنسان هو وصوله إلى الاتحاد بالله، أي إلى حالة التأله. إن حالة الشفاء هذه بدأت من قِبل الله أولاً للأنبياء واستمرت بالتجسّد الإلهي بالصلب والآلام بالقيامة والصعود واكتملت بالعنصرة.
في حادثة العنصرة يوجد كمال التأله، وهو كمال اتحاد الإنسان بالله. في هذا اليوم وصل الرسل إلى قمة المجد والتأله على الأرض بحلول الروح القدس عليهم بشكل كامل، وأصبحوا أعضاء في الكنيسة التي هي جسد المسيح، كما علّمنا الأب يوحنا رومانيذس أن التأله في العهد القديم كان آنياً ولكن هناك أي في العهد القديم لم يكن الموت قد أُبطِل بينما التأله في العهد الجديد يوجد له ثبات واستمرارية بسبب اتحادنا بالطبيعة الإنسانية ليسوع المسيح والانتصار على الموت.
كان الأنبياء يرون النور غير المخلوق ولكن الله لم يكن متجسداً بعد، ولم يكونوا أعضاء في جسد المسيح بعد. ولكن الرسل في التجلي رأوا النور غير المخلوق منبعثاً من جسد المسيح، ولكنهم كانوا خارج جسد المسيح في العنصرة الرسل رأوا النور غير المخلوق وهم في داخل جسد المسيح كونهم أصبحوا يشكلون أعضاء هذا الجسد.
وأخيرا في حدث العنصرة أعطيت لنا الامكانية كي نصل إلى مثال الله الذي هو الهدف الأسمى لوجودنا، وهكذا يكتمل شفاؤنا الروحي.
بالروح القدس كل شيء يصبح للإنسان جديداً، وان العطايا التي كانت في جسد المسيح تصبح لنا أيضاً والإنسان يولد كاملاً من جديد.