العنصرة
مايو 4, 2024النور المقدس يصل لكنائس المملكة من خلال الرؤساء الروحيين والآباء الكهنة .
مايو 4, 2024تتوقف جميع المقالات والعظات التي تتكلم عن إيماننا حول أسبوع الآلام و الفصح المجيد في جبل آثوس على الجو البيئي للرهبان ، كونها ليست للذكرى فقط وإنما تُعاش بالفعل، ويكون هذا الجو خشوعياً مليئاً بالجهادات النسكيّة، ويقوم به الرهبان بهدف تتميم ما يطلبه الإنجيل كي يحصلوا في حياتهم على الفضائل الإلهية. لهذا الأسبوع أي أسبوع الآلام والقيامة في هذه البقعة من العالم تقليده الخاص كي يطبِّق هذه الأحداث المقدسة في حياتهم وبالتالي يعيشونها.
ونحن مقتربين من الرهبان أحبّاء الله نراهم يعيشون بهدف الوصول الى الروحانية الأرثوذكسية من خلال الحياة النسكية الرهبانية، كي يقتنوا المسيح ويقتدون به وبالتالي يصلوا للاتحاد بالله وللتأله. ومن خلال عيشهم أحداث آلام وقيامة الرب فإنهم في هذا الأسبوع يتنفسون الحياة الروحية بكل أبعادها. ضمن هذا الإطار من الحياة النسكيّة، تأتي قوة التغيير الإلهية كثمر من ثمار الروح القدس فتجعل الراهب يعيش روحانية هذا الأسبوع، ويتم هذا كله من خلال صلوات الرهبان التي يعيشونها لحظة بلحظة ولساعات طويلة من خلال حياتهم النسكيّة الروحية أو قراءاتهم الروحية أو الخدميّة، وأيضاً حتى من خلال أوقات راحتهم. فيعيش الراهب هذه الحياة المتكاملة بكل أبعادها من أجل مجد الله ومجد سيدتنا والدة الإله مطبِّقين الآيه القائله ” فافعلوا كل شيء لمجد الرب” (اكور 31:10).
ويشكّل الحزن المفرح للراهب الأرثوذكسي الشّرط الأساسي كي يفهم معنى الصلب والقيامة في آن واحد، وذلك من خلال حياته مع الله. أما الحزن والألم الناتجان عن سيطرة الأهواء على أجسادنا فيتلاشيا بالرجاء والنور النابعَين من القبر الفارغ لفادي نفوسنا، و يختفي الحزن الناتج عن الخطيئة بحلول فرح الآتي من رحمة الله و محبته للبشر التي لا حدَّ لها.
فيعتري الإنسان شعور مميّز ومقدّس عندما يحيا أسبوع الآلام والفصح في الجبل المقدّس، ويحمل هذا الشعور في طياته الحزن والفرح والخشوع معاً، وذلك نتيجةً للحياة النسكيّة الشخصية التي يشارك بها الآباء الرهبان، وخاصة بآلام الرب الرهيبة التي كابدها بالصلب والدفن، ولكن سرعان ما يتحوّل حزنهم وألَمُهُم إلى فَرح بقيامة المخلّص.
ويحمل تسلسل هذه الأحداث الإلهية الفريدة المقدسة في طيّاته معنى عميقاً لعيد الفصح، أما بالنسبة للإسرائيليين فإن عيد الفصح يعني عبور البحر الأحمر أي إنتقالهم من أرض العبودية إلى أرض الميعاد، بينما بالنسبة لنا نحن المسيحيين فتعني عبورنا الروحي بقيامة ربنا المعطي الحياة من الفانيات والآنيّات إلى الأبديّات وغير الفانيات “الذي أنقذنا من الموت إلى الحياة ومن الأرض الى السماء” .
لذلك نحتفل ونعيّد مبتهجين بهذا اليوم العظيم لأننا: “نعيّد لموت الموت ولتحطيم الجحيم”، أمّا الكُتَّاب والمؤلِّفون القدِّيسيون مثل الكاتب العظيم ينيكفوروس خريستيوس، فيظهرون لنا لماذا نعيِّد بفرح بعيد الفصح فيقولون: “إن الفصح الذي نعبر به من الظلمة الى النور، هو فصح الذي حرّرنا من الجحيم إلى الأرض، الفصح الذي رفعنا من الأرض الى السماء، الفصح الذي استدعى آدم من الأسر، الفصح الذي حرر المأسورين بالموت والفناء فأصبح حياة للمؤمنين، الفصح الذي هو غذاء كل العالم وهو أظهر أيضاً قيمة الثالوث الإلهي المقدّس.
لا يتبَع التيبكون الآثوسي ترتيب الصلوات التي في العالم، فتُرتَّل السحريّة بعد غروب الشمس، ولكن جميع الصلوات تقال منها كل صلاة على حدى وفي موعدها، وهكذا فتصير سحريه الإثنين العظيم والثلاثاء والأربعاء في الصباح الباكر كل يوم على حدى، أما غروب هذه الأيام مع خدمة القدّاس السابق تقديسه فتصير عند الظهيره. وهكذا يُقام في نفس الوقت قدّاس القديس باسيليوس في الخميس العظيم والسبت العظيم، وتصير خدمتا الآلام والدفن معاً في السهرانية ….. تبدأ الساعة الحادية عشر ظهراً وتنتهي الساعة الخامسة صباحاً.
وتتميَّز حياة الذين يشتركون في الصلوات التي تقام في الكنائس الرئيسية للأديرة المقدسة بالخشوع والوقوف نهوضا”. نصل الآن إلى العيد (عيد الأعياد) فيكون الراهب ممتلئأ بالغبطة الإلهية، ويشعر بهذا الفرح الداخلي الذي نعبِّر عنه بالتراتيل مفرحه للعيد “لكن المسيح قام أفراحوا أبدياً”. ونتذوَّق هذا الفرح الأبدي الذي وهبنا الله إياه عندما نشترك معاً في الإجتماع الشكري في حياة الأسرار الكنسية. هذا الفرح الأبدي يفتِّت جميع صخور الأهواء القاسية، وهكذا يقوم عالمنا المائت بسبب الخظيئة وأباطيل العالم.
وبفرح القيامة يمتليء الجميع من النور الذي لا يعترية غروب، فعندما تكون أجساد الرهبان متعبة من النسك وكثافة الصلوات خلال فترة الصوم وفي تمام الساعة الثانية بعد منتصف الليل في قمة أثونا تُتلى تراتيل القيامة “المسيح قام” وتستمر الصلوات الليل لأكثر من عشر ساعات في الكنيسة فتشبه انبعاث النور من القبر الفارغ للمسيح القائم فيعيِّد الآباء أساساً للحياة الأبدية.
يحمل الرهبان فرحين خشب التالاندو والحديد مع الأجراس التي تعطي ألحاناً جميلة وكأنها تحملنا من الأرض إلى السماء، مسبِّحين فقط إله آبائنا المسبَّح والممجَّد ومرتلين الترتيلة المفرحة “المسيح قام…” لأن قيامة الرب هي أساس وبداية قيامتنا، وهي التي تحثنا للسَيْر في الحياة الجديدة مع المسيح.
حسنٌ لنا أن نفرح في هذا العيد البهيج، ولنا أيضاً فرح قيامةٍ آخر في هذا الدير بالذات، ألا وهو فرح القيامة مع البار كسينوفوندوس مؤسس هذا الدير، كما ونعيّد أيضاً في هذا الدير وفي هذه الأجواء الفصحية لعيد القديس جاورجيوس الذي يُعتبر وعاء يحوي النور الإلهي الظاهر في حياة رهبان الدير المتنسكين.
لديرنا بركة خاصة عندما نعيِّد في كل فصح لعيد القديس جاورجيوس الذي هو شهيد إيماننا، ففي كل عام يُميِّز عيد القديس جاورجيوس مسيرة حياتنا الرهبانية باستحقاقات استشهاده على سلَّم الفضائل الواصل الى السماء، وهو أيضاً يعتبر قدوتنا في مسيرة حياتنا الرهبانية الاستشهادية الطوعية.
في هذا العام الحاضر يعيِّد ديرنا لمرور ألف عام على تأسيسه من قبل البار كسينوفوندوس، إن الفترة الفصحيه التي نحياها مع مرور ألف سنة على تأسيس هذا الدير تملؤنا بالرجاء والأمل بالتطور على أساس قيامة الرب، وهي شهادة للأرثوذكسيّة في جميع العالم.